عزمات القادة
عزمات القادة
للإنسان مادة هي الجسم وقوة نفسية هي الإصرار على الفعل أو الترك ومن ثَم ينجز الأعمال، وهذه القوة هي ما يميِّزه عن الجمادات والأموات، وكل ما في الدنيا من فعل أو ترك يرجع إلى الإرادة. قال بعض الصوفية: “إنَّ لله عبادًا إذا أرادوا أراد الله”، ولطالما كانت الجماعة تركن إلى قوي العزم نافذ الإرادة، ولطالما ارتبطت الحوادث الكبرى برجال أصحاب همم ماضية وإرادت ثابتة وعليهم تدور رواية التاريخ، إذ إنَّ خطورة الأثر في عزمات القادة إنما من عِظم ما يطلبون فلا يُنال إلا بطول جهاد، وقد تتغيَّر الظروف الخارجية بمرور الأيام غيرَ أن ذلك لا يفلُّ من عزيمتهم ولا يَفُتُّ في عضدهم.
أكَّد القرآن كثيرًا على قوة الإرادة وأهميتها في حياة القادة بأكثر من أسلوب، وقد وصف نفسه سبحانه بأنه الفعَّال لما يريد والحاكم بما شاء، ومن كمال العبد أن يتخلَّق بمعاني صفات الله بالقدر الذي يُتصوَّر في حقه فيكون نافذ الإرادة والتصميم بما يتصوَّر إمكانه وما يقتضيه واقعه، وفي القرآن ثناء على أولي العزم من الرسل والإغراء بالتحلِّي بهم، ووصف لبعض الأعمال الجليلة بأنها من عزم الأمور فلا يستطيعها إلا أولو العزم والهمة، ويربط أمورًا لا تتم إلا بالعزم والإرادة ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾.
وبهذا الهدي القرآني مضى أنبياء الله، وقال خاتمهم: “والله لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته”، وسار من بعده الخليفة الأول وأصرَّ على قتال من فرَّق بين الصلاة والزكاة رغم خطورة الوضع في المدينة واعتراض كثير من الصحابة، ونرى أحيانًا رجالًا يُظهرون عزمًا وقوةً، لكن عزيمتهم في الحقيقة مؤقَّتة سرعان ما تخمد وتزول، فليست هذه العزيمة الصادقة وإنما فورة نزق، وهؤلاء لا يصلحون للقيادة.
الفكرة من كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
هذا مبحث في السمات القيادية للرسل الذين صنعتهم العناية الربانية؛ فعصمتهم من الزلل ومن الضعف البشري أمام الشهوات وأهواء النفوس؛ فكانوا قدوةً لغيرهم، ونموذجًا يجب تطبيقُه في سياسة الجماعة وإدارة الحُكم، وهو ضِمن سلسلة من هدي القرآن التي التزم فيها المؤلف طريقةَ التفسير الأدبي الذي يُعنى بالتدبير النفسي والاجتماعي للحياة الإنسانية، ويقصد الموضوعات القرآنية دون التقيُّد بالأجزاء والسور؛ ثقةً بعظمة التدبير القرآني وصلاحيته لكل الظروف والأزمان.
مؤلف كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
الشيخ أمين الخولي أديب ومفكر ومناضل ثوري شارك في ثورة ١٩١٩، وزوج الأستاذة عائشة عبد الرحمن؛ وُلد عام ١٨٩٥ بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، وتخرَّج في مدرسة القضاء الشرعي وعُيِّن مدرسًا بها، ثم إمامًا للسفارة المصرية في روما، وأسَّس جماعة الأمناء ومجلة الأدب وكانت له جهود تجديدية كثيرة، وكانت المؤثرات الغربية الحديثة ظاهرة في بعض أفكار الخولي، وقد أثارت رسالة “الفن القصصي للقرآن” لمحمد أحمد خلف الله -والتي أشرف عليها الشيخ وأيَّدها- جدلًا واسعًا، وخلقت أزمة بينه وبين الأزهر، وقد توفي الشيخ أمين عام ١٩٦٦ ودفن في قريته شوشاي.