سمات القادة الرسل
سمات القادة الرسل
إنَّ هذا الشرق الذي انقطع حاضره الضعيف عن ماضيه القوي ينقصه رجال، وعليكم يا شباب الشرق أن تزوِّدوه بها، وأن تطلبوا هدي القرآن في إعداد الرجال وصناعة القادة، إذ إنَّ أي جماعة تحتاج بفطرتها إلى من يتصدَّرها وتخضع لسلطانه وتطيع، وتجتمع في هذا القائد قوة الشخصية والنفوذ واعتبارت نفسية نلحظها واضحة بتمامها في الرسول وأمته؛ فإن أمة الرسول إنما تقوم على الأصول التي جاء بهاء والرسول في أمته مصدر بلاغ الأفكار وسبيل فهمها.
قد لا توفَّق الجماعة في اختيار قادتها لأنه يسهل خداعها بالمظاهر الخارجية البراقة، والعقل الجمعي مظنَّة التضليل، لذا فالتفريق بين أنواع القادة أمرٌ ليس بالهيِّن، ويتميِّز القادة الرسل بصفات يتميَّزون بها عن أنواع القادة الأخرى؛ فهم أصحاب عقيدة وحاملو إيمان، يربُّون الناس على أن كل شيء في الدنيا أهون من العقيدة وأرخص، والرسل هم الأوثق عقيدة والأعلى إيمانًا ليسهل استلاب نفوس أممهم وتملُّك شَغَاف قلوبهم واستدفاعهم إلى أبعد الغايات، وعلى قدْر الاعتقاد يكون التأثير، أما غيرهم من القادة فيلتمسون نواحي الضعف البشري ويستبدُّون بالنفوس الخانعة ويغرِّرون بهم بالأقوال الرنانة والأفكار الضالة، والقادة الرسل يتوجَّهون إلى أكرم من في أمتهم في حين يتجه قادة الحاجات إلى المنافقين والتافهين، فنفوذ القادة الرسل نابع من داخلهم وصدقهم، ويعتمد غيرهم على نفوذ خارجي سطحي، وجاذبية الرسل لا تنشأ من مغريات مادية كجاه ومال، وليس يقوم سلطانهم على نفع مادي يقدِّمونه أو ضرر يدفعونه.
لا يحول الضعف المظهري للرسل دون تحقيق الغايات الكبرى، فالرسل يرون غاياتهم محققة لا يساورهم في ذلك شك مهما خالف الناس وأنكروا، ولا يثنيهم عن المضي في تحقيقها شيء ولا تشغلهم مآثر الحياة ولهوها عنها، والقرآن يضمن العصمة لهم والنصر لأتباعهم ويحثُّهم على عدم الخشية إلا من الله.
الفكرة من كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
هذا مبحث في السمات القيادية للرسل الذين صنعتهم العناية الربانية؛ فعصمتهم من الزلل ومن الضعف البشري أمام الشهوات وأهواء النفوس؛ فكانوا قدوةً لغيرهم، ونموذجًا يجب تطبيقُه في سياسة الجماعة وإدارة الحُكم، وهو ضِمن سلسلة من هدي القرآن التي التزم فيها المؤلف طريقةَ التفسير الأدبي الذي يُعنى بالتدبير النفسي والاجتماعي للحياة الإنسانية، ويقصد الموضوعات القرآنية دون التقيُّد بالأجزاء والسور؛ ثقةً بعظمة التدبير القرآني وصلاحيته لكل الظروف والأزمان.
مؤلف كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
الشيخ أمين الخولي أديب ومفكر ومناضل ثوري شارك في ثورة ١٩١٩، وزوج الأستاذة عائشة عبد الرحمن؛ وُلد عام ١٨٩٥ بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، وتخرَّج في مدرسة القضاء الشرعي وعُيِّن مدرسًا بها، ثم إمامًا للسفارة المصرية في روما، وأسَّس جماعة الأمناء ومجلة الأدب وكانت له جهود تجديدية كثيرة، وكانت المؤثرات الغربية الحديثة ظاهرة في بعض أفكار الخولي، وقد أثارت رسالة “الفن القصصي للقرآن” لمحمد أحمد خلف الله -والتي أشرف عليها الشيخ وأيَّدها- جدلًا واسعًا، وخلقت أزمة بينه وبين الأزهر، وقد توفي الشيخ أمين عام ١٩٦٦ ودفن في قريته شوشاي.