موقف الاستعمار
موقف الاستعمار
تم تعيين الشيخ البشير مسؤولًا عن مقاطعة وهران من قبل الجمعية، فانتقل للإقامة بها مع أهله، ونظم فيها الدروس وأنشأ مدرسة للحديث، وكان يلقي في اليوم عشرة دروس منتظمة ما بين الفجر والعشاء، أما في العطل الصيفية فكان يتنقل من مدينة إلى أخرى في الإقليم يتفقَّد أحوالها ومدارسها، وبعد أن تنقضي العطلة يجتمع مع ابن باديس وبقية العلماء في العاصمة يقيمون ما فات، ويخطِّطون لما هو آت.
ضاق الاستعمار بتلك الجهود التي لم تعد تخفى على مُبصر، فاستغل اندلاع الحرب العالمية لإبعاد الشيخ ونفيه حتى نهاية الحرب، وفي أبريل عام 1940 وبعد نفي البشير بأسبوع واحد توفي الشيخ ابن باديس، وعلم بذلك البشير في منفاه، وانتخبه أعضاء الجمعية رئيسًا ، فكان يدير الجمعية من المنفى بالمراسلات، وخرج الشيخ من منفاه بعد ثلاث سنوات، فانطلق بعزم يكمل ما بدأ، واتجه لتشييد المدارس فأنشأ في عام واحد 73 مدرسة ابتدائية، لكن سرعان ما دبَّر الاستعمار ثورة مفتعلة، قتل على أثرها 60 ألفًا من أحرار الجزائر، واعتقل أكثر من سبعين ألفًا آخرين، وتم إلقاء القبض على الشيخ من منزله وألقي في زنزانة غير آدمية، فتدهورت صحته ونُقل إلى المستشفى العسكري، ولبث في السجن ومشفاه أحد عشر شهرًا، حتى أطلق سراحه ومن اعتقلوا معه باسم العفو العام، فأكمل الشيخ جهوده ولم ينثنِ عزمه، حتى بلغ عدد المدارس الابتدائية المشيدة 400 مدرسة.
وكان من آثار الجمعية أنها نشرت الوعي، وأيقظت النفوس من بعد غفلة، وأحيت التاريخ الإسلامي واللسان العربي وأمجاد العرب فيهم، وأعادتهم إلى صحيح الدين بمحاربة البدع والضلالات، وبثت فيهم شمائل الإسلام من عزة ونخوة، وحب للعلم، والتآخي والبذل من أجل الله، وكان كل هذا الحشد للهمم، والاستنهاض للعزائم هو الوقود الذي أشعل الثورة الجزائرية المباركة.
الفكرة من كتاب من أنا؟ محمد البشير الإبراهيمي
سيرة محمد البشير إنما هي سيرة إمام وعالم ومناضل، حمل راية العلم والإصلاح لتحرير أمته، مما أسماهما الاستعمارين المادي والروحي، أما المادي فهو الاحتلال الفرنسي، وأما الروحي فهو الخرافات والبدع التي انتشرت على يد مشايخ الطرق، وتتناول هذه السيرة مراحل حياته منذ نشأته في الجزائر وتلقيه العلم، ثم انتقاله إلى المدينة المنورة وتدريسه بالمسجد النبوي، وبعدها إلى دمشق ومن ثم عودته، ودوره في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وموقفه من الاستعمار الفرنسي، ومن الثورة الجزائرية المجيدة.
وقد قام بجمعها وتحقيقها الدكتور رابح بن خوية من ثلاثة مقالات كتبها محمد البشير بنفسه لمناسبات مختلفة، وأضاف عددًا من أهم خطبه التي تبيِّن جزءًا من مواقفه في آخر حياته، مستعينًا في ذلك بكتاب “آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي” الذي كتبه ابن الشيخ الأصغر أحمد.
مؤلف كتاب من أنا؟ محمد البشير الإبراهيمي
محمد البشير الإبراهيمي، إمام ومفكر ومؤلف، ولغوي جزائري، ولد عام 1889، من أئمة الإصلاح إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، أسَّس مع الإمام عبد الحميد بن باديس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر، وكان له دور في التمهيد للثورة الجزائرية ودعمها بلسانه وقلمه.
من مؤلفاته: “مقالات عيون البصائر”، و”بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر”، و”أسرار الضمائر في العربية”، ورواية “كاهنة أوراس”، و”شعب الإيمان”، وملحمة “رجزية تبلغ ستة وثلاثين ألف بيت”.