رحلته إلى الشرق
رحلته إلى الشرق
عام 1911 رحل محمد البشير إلى الحجاز ليلحق بوالده الذي استقر في المدينة المنورة، وكان عمره آنذاك واحدًا وعشرين عامًا، وفي رحلته زار مصر ومكث بها ثلاثة أشهر، حضر فيها دروس الأزهر الشريف، وزار عددًا من علماء الأزهر، وزار الشاعرين الكبيرين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم.
ولما وصل إلى المدينة حيث والده، طاف بحلقات العلم في المسجد النبوي، وألقى بنفسه دروسًا في اللغة والأدب فيه، وقد لزم حلقات الشيخين: العزيز الوزير التونسي، وحسين أحمد الفيض أبادي الهندي، في التفسير والحديث، وقد رأى فيهما صورة العالم الحق، وأعانته قدرته الفائقة في الحفظ على استظهار بعض كتب الحديث كاملة، كما درسَ علم الجرح والتعديل، وأنساب العرب وأدبهم الجاهلي والسيرة النبوية، وعلم المنطق، وعكف على القراءة من مكتبات بها عشرات الآلاف من المخطوطات النادرة، كمكتبة شيخ الإسلام، ومكتبة السلطان محمود، ومكتبة الشيخ الوزير التونسي.
وقد مكث في المدينة خمس سنوات وبضعة أشهر، وكانت هذه الفترة من حياته نقلة كبيرة في شخصيته، وفيها بدأ يهتم للعمل العام، وأخذ يشارك في الإصلاح العلمي بالمسجد النبوي، إلى أن قامت الحرب العالمية الأولى وثورة الشريف حسين بن علي في الحجاز، وأمرت الحكومة العثمانية بإجلاء سكان المدينة، فارتحل مع والده إلى الشام، واستقر في دمشق في أواخر عام 1916، وهناك عُين أستاذًا للآداب العربية وتاريخ اللغة في مدرسة السلطاني، وقد دعاه الأمير فيصل بن الحسين _وكان صديقًا له_ أن يعود إلى الحجاز ويتولى شؤون التعليم فيها، غير أن محمد البشير لم يكن راضيًا عن ثورة أبيه الشريف حسين ولا مطمئنًّا لحكمه فلم يقبل العودة.
وقد تزوج أثناء مكثه في دمشق، ومات والده وولده فيها، وفي عام 1919 اضطربت الأحوال في دمشق فاستقر لديه أن يعود إلى الجزائر في أوائل عام 1920.
الفكرة من كتاب من أنا؟ محمد البشير الإبراهيمي
سيرة محمد البشير إنما هي سيرة إمام وعالم ومناضل، حمل راية العلم والإصلاح لتحرير أمته، مما أسماهما الاستعمارين المادي والروحي، أما المادي فهو الاحتلال الفرنسي، وأما الروحي فهو الخرافات والبدع التي انتشرت على يد مشايخ الطرق، وتتناول هذه السيرة مراحل حياته منذ نشأته في الجزائر وتلقيه العلم، ثم انتقاله إلى المدينة المنورة وتدريسه بالمسجد النبوي، وبعدها إلى دمشق ومن ثم عودته، ودوره في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وموقفه من الاستعمار الفرنسي، ومن الثورة الجزائرية المجيدة.
وقد قام بجمعها وتحقيقها الدكتور رابح بن خوية من ثلاثة مقالات كتبها محمد البشير بنفسه لمناسبات مختلفة، وأضاف عددًا من أهم خطبه التي تبيِّن جزءًا من مواقفه في آخر حياته، مستعينًا في ذلك بكتاب “آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي” الذي كتبه ابن الشيخ الأصغر أحمد.
مؤلف كتاب من أنا؟ محمد البشير الإبراهيمي
محمد البشير الإبراهيمي، إمام ومفكر ومؤلف، ولغوي جزائري، ولد عام 1889، من أئمة الإصلاح إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، أسَّس مع الإمام عبد الحميد بن باديس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر، وكان له دور في التمهيد للثورة الجزائرية ودعمها بلسانه وقلمه.
من مؤلفاته: “مقالات عيون البصائر”، و”بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر”، و”أسرار الضمائر في العربية”، ورواية “كاهنة أوراس”، و”شعب الإيمان”، وملحمة “رجزية تبلغ ستة وثلاثين ألف بيت”.