العدو الخارجي والداخلي
العدو الخارجي والداخلي
لم يستمر دور النمل الضعيف كثيرًا، ففي عام 1931 نشر العالم ليلاند أوسيان هوارد كتاب “تهديد الحشرات”، حيث كان يحذر فيه من التهديدات القادمة، موضحًا أن الحشرات هي “وحوش الحاضر” مثل ما حدث في نهاية القرن التاسع عشر من هجوم الجراد، حيث أصاب منطقة كبيرة من العالم بأعداد مهولة، وقد صنِّف النمل من هذه الوحوش اعتمادًا على أنواعه، فهناك “أسود النمل” وهي وحوش تتمتع بقوة عالية على الافتراس، وهناك النمل المرتحل، والنمل الغجري، ونمل سيافو.
اعتبر النمل المرتحل أكبر تهديدًا بسبب قدرته على استيلاء كل شيء وإجبار البشر على الرحيل، إذ إنه يملك صفات شرسة ويعد من آكلي اللحوم، وذكر أنه يملك لسعة مشابهة للدبابير إلى حدٍّ كبير، كما وجد أيضًا في أفريقيا نمل سيافو، ويعتبر من أساليب القتل والتعذيب لديهم للدفاع عن أرضهم ضد المستعمرين، وأمثلة هذه النمل توضح الفارق الكبير بين النمل الضعيف اجتماعيًّا، وهذا النمل المتوحش الذي سوف يؤدي إلى هلاك أماكن سكنية وزراعية كثيرة.
يقدِّر بعض العلماء أن عدد النمل يقارب عدد البشر على الأرض، بل من الممكن أن يتخطاه، وذكر الكاتب أنه في إحدى الروايات كتب على غلافها جملة مقلقة للقراء “أثناء الثواني القليلة التي تتطلَّبها قراءة هذه الجملة، تكون 700 مليون نملة قد ولدت على الأرض”.
أما العدو الداخلي لم يقتصر غزوه على العالم الخارجي للإنسان، بل أصبح فجأة شريكًا سكنيًّا في منزلك يبتلع كل ما هو في الداخل يحدد موقعه ومركزه ويسدد خططه على موائدك، ليعزز من اكتسابه سكنًا جديدًا، ليصبح تهديد لك ولعقلك تحت قدرة عالية من السيطرة ليجعلك تسأل سؤال الكاتب: “ما الذي أفعله مع النمل في مطبخي؟”.
الفكرة من كتاب النمل – التاريخ الطبيعي والثقافي
نقر جميعًا بالحدود المرسومة لكل مكان وجد على الخريطة الطبيعية للعالم، إذ أصبح للإنسان مع مرور الزمن حدود لا يستطيع تجاوزها وفقًا لقوانين الطبيعة أو قوانين الإنسان الآخر، ولكن من العجيب أن نجد كائنًا آخر يملك بعض الصلاحيات التي امتلكها الإنسان دون باقي الكائنات الحية الموجودة على الأرض!
يتحدث هذا الكتاب عن حشرة النملة وقدرتها العجيبة على خلق حياة دقيقة مماثلة للحياة البشرية، بل تفوقها بمراحل كما تروي القصص والأساطير الخرافية، ورغم صغر هذه الحشرة وضآلتها فإنها الكائن الوحيد على وجه الأرض وباطنه الذي لا يستطيع أحد وضع الحدود الرسمية له والحد من بناء مستعمراته الممتدة والمتصلة تحت الأرض، حيث تثبت لنا النملة أن أي مكان لم يستطِع الإنسان ضمه إلى الحدود فوق الأرض استطاع النمل فعل هذا تحت الأرض.
مؤلف كتاب النمل – التاريخ الطبيعي والثقافي
شارلوت سلي : درست التاريخ وفلسفة العلوم في جامعة كامبريدج، وبعدها حصلت على أستاذ مساعد زائر لمدة عام واحد في جامعة كاليفورنيا، وبعد ذلك تولَّت منصب محاضرة في كلية التاريخ بجامعة كنت في كانتربري عام 2003، وكان محتوى تدريس شارلوت فيها عن العلوم والأدب والمجتمع الفيكتوري وتاريخ الحيوانات وتاريخ الجسد في القرن العشرين، وقد عرفت شارلوت بلقب “المرأة النملة” بسبب أبحاثها في علم النمل، كما اشتملت اهتماماتها البحثية “علوم الحياة” على مدار 150 عامًا الماضية، وأصدرت شارلوت عدة أبحاث ومقالات مختلفة في العلوم والحيوانات وبعض الكتب مثل:
The Paper Zoo: 500 Years of Animals in Art.
Six Legs Better: A Cultural History of Myrmecology.
Literature and Science.
معلومات عن المترجم:
معين الإمام: من سوريا، وأسهم في ترجمات كثيرة كانت ثروة للمكتبة العربية، ومن ضمنها:
الطريق.
جرأة الأمل: أفكار من استعادة الحلم الأمريكي.
النظام السياسي والانحطاط السياسي: من الثورة الصناعية إلى عولمة الديمقراطية.