آليَّات التجديد ونقاط التفكير
آليَّات التجديد ونقاط التفكير
كل من زعم وادَّعى أن الدين علاقة روحية بين العبد وربه ولا صلة له بشؤون الناس، فقد فصل المعاملات عن الدين، فالفَصل بين المعاملات والتشريعات ليس سوى بتر، والأصل أن التجديد لا يعني عزل النصوص ومنعها عن ولايتها الشرعية، ولا ترقية العقل وجعله وصيًّا عليها، فيكون له حرية القبول والرفض، فالعقل لن يسترد هيبته بالجور على النص، بل يستردها باستعادة مهامه في الفهم الصائب والإدراك الصحيح، من خلال لغة النص والمقصد منها ومصدر النص ومقاصد النص التي هي غايات ومآلات، وفي ميدان التعارض بين النص، الأهم من هذه الفواصل المعرفة الأصولية والفقهية في الوضعية المعاصرة هي التي توجب صراحة الفصل بين لفظ الاجتهاد والتجديد، فَاللفظان بينهما مغايرة في الموضوعات والمصاديق وتجمع بينهما المصادر والغايات.
فالتجديد إنما يكون في النظم الواقعي، وعالم الوقائع هو ميدانه الفسيح، ومنهجيته محورها الخبرة والتدريب، وأهل التجديد هم أهل تخصُّص، في كل فرع من العلوم الطبيعية والاجتماعية، ولا ننكر الصلة الوثيقة والروابط العضوية بين حركة النظم لتفعيلها إيجابيًّا نحو استقبال الأحكام وبين الحكم الوضعي الذي هو السببية والشرطية، أما الاجتهاد فميْدانه الأحكام، ولا يصدر إلا من أهل التخصص، وينبغي أن يتنزَّل في محله، وأن التجديد إنما يكون في النظم والنسق الصحيح، ولأن العقل الإسلامي قد تمت صياغته في القرنين الأخيرين على نحو غير إسلامي، فالخطاب الإسلامي هو العلاقة الرئيسة بين مرسل ومستقبل، ومبحث الاستقبال أصبح جزءًا أساسيًّا لا يتجزَّأ من فلسفة القانون، وهذا يستدعي معرفة المجتهد لأصوله وإِلمام المجدِّد بتفاصيله وجزئياته.
الفكرة من كتاب مقالات في التجديد
كثيرًا ما نسمع الأصوات التي تنادي وتناشد دائمًا بالتجديد الفكري، وأحيانًا بإلغاء الخطاب الديني والتخلُّص من جمود النصوص، فهم يرون أن الخطاب الديني هو أزمة الفكر، أو أنه سبب أزمة تخلُّف المسلمين في الحضارات العربية، وأنه ليس هناك حل لتلك الأزمة إلا بهدمها، وهؤلاء المدَّعون بعلو الثقافة لا يفصحون عن مقتضى هذه الدعوة، أو ما هو اللزوم المنطقي الصحيح لبناء هذه الحجة، سوى غرض واحد فقط هو دائمًا إظهار أن الأزهر ليس سوى متحف تاريخي للعرض، وهدم كل تجلياته العلمية والروحية والثقافية.
مؤلف كتاب مقالات في التجديد
الإمام الأكبر أحمد محمد أحمد الطيب: الرئيس السابق لجامعة الأزهر، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وهو أستاذ العقيدة والفلسفة، ويتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، وقد قام بترجمة كتب كثيرة من المراجع الفرنسية إلى العربية، ولديه مؤلفات عديدة في الفقه والشريعة والتصوف، ومن أشهر مؤلفاته: “الجانب النقدي في فلسفة أبي بكر البغدادي”، و”أصول نظرية العلم عند الأشعري”.