التراث الإسلامي بين التجديد والتقليد
التراث الإسلامي بين التجديد والتقليد
هناك أشخاص ممن تأثروا بالاستعمار الغربي في بلادنا وتحملوا لبس ثياب القيادة الفكرية والريادة الثقافية، سبق لهم أن قاموا بالدعوة صراحةً إلى استدبار ثقافتنا وتراثنا، وأن نوجه طرقنا إلى الفكر الغربي، حتى نعيش كما يعيشون ونرتقي إلى درجة الكمال الفكري كما يعتقدون، ولكى ننعم بمثل ما ينعمون، وحين تخفق هذه الدعاوى والحملات وتسقط يعودون إلى لحن التقليد على إيقاع التجديد، انتقالًا إلى التقليد والتبديد، لكن حقيقة لو بدَّدنا تراثنا فما الذي سيتبقى لنا؟ وحينها سيكون ما الذي تبقَّى فينا كأمة، لن ننكر أننا في وقتها لن نكون سوى حُثالة لا يُلقى لها بال، فمن ينظر إلى من ليس له هوية أو استقلالية، والغريب حقًّا أن دعاة التجديد لا يعادون سوى الفكر الديني بدليل أنهم من المتفاخرين بهوية القدماء المصريين وهي من التراث، فلِمَ هذه الازدواجية، فهل الصراع هنا حول الجنس أم حول الدين؟
كل ما نحتاج إليه هو إزاله تراكمات الجهل ونتخلَّص من البدع الموروثة أو المحدثة الدخيلة على الدين، ليظهر لنا الأصل ونقاؤه، ونزيل حينها عنه كل ما يعيبه أو ينقصه، وهذا من ناحية هو إحياء تراثي للدين كما فعل الإمام الغزالي (رحمه الله) وبيان مدى مرونته، فكل ما نحتاجه هو استخلاص النتائج والأحكام بناء على الأصول والمعايير العلمية، وقد يفهم البعض أن الجمود يقابله تجديد، وأنهما كلمتان مليئتان بالبدع الحسنة والسيئة، أو يكون المقصود إعادة ظهوره بأسلوب يتناسب مع الضعف العلمي والفكري والثقافي، أو يكون المقصود إعادة المناهج التعليمية والدراسية إلى ما كانت عليه قبل الفصل بين ما هو تعليم ديني وتعليم مدني، بين ما هو عربي إسلامي وبين ما هو ثقافي غربي، حقيقة التراث لا يمكن أن يبنى على فكرة الإضافة والحذف لأننا بهذا نكون قد زيَّفناه وانتهكنا حرمته.
الفكرة من كتاب مقالات في التجديد
كثيرًا ما نسمع الأصوات التي تنادي وتناشد دائمًا بالتجديد الفكري، وأحيانًا بإلغاء الخطاب الديني والتخلُّص من جمود النصوص، فهم يرون أن الخطاب الديني هو أزمة الفكر، أو أنه سبب أزمة تخلُّف المسلمين في الحضارات العربية، وأنه ليس هناك حل لتلك الأزمة إلا بهدمها، وهؤلاء المدَّعون بعلو الثقافة لا يفصحون عن مقتضى هذه الدعوة، أو ما هو اللزوم المنطقي الصحيح لبناء هذه الحجة، سوى غرض واحد فقط هو دائمًا إظهار أن الأزهر ليس سوى متحف تاريخي للعرض، وهدم كل تجلياته العلمية والروحية والثقافية.
مؤلف كتاب مقالات في التجديد
الإمام الأكبر أحمد محمد أحمد الطيب: الرئيس السابق لجامعة الأزهر، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وهو أستاذ العقيدة والفلسفة، ويتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، وقد قام بترجمة كتب كثيرة من المراجع الفرنسية إلى العربية، ولديه مؤلفات عديدة في الفقه والشريعة والتصوف، ومن أشهر مؤلفاته: “الجانب النقدي في فلسفة أبي بكر البغدادي”، و”أصول نظرية العلم عند الأشعري”.