حقيقة التجديد ومفهومه
حقيقة التجديد ومفهومه
التجديد الفكري هو خصيصة لازمة وأساسية من خصائص الدين الإسلامي، وعلى الرغم من توافر أدلة كثيرة نقلية وعقلية تنص على التجديد صراحةً فهناك أيضًا خلاف كبير حول مقصود التجديد في الحديث الشريف، لكن ما المراد من التجديد؟ وهل المجدِّد واحد أو أكثر؟ وما يهمنا هنا حقيقةً هو الاهتمام أكثر بالمقصود من التجديد، والأقدمون يفسرون لفظ التجديد على أنه العودة إلى صريح الكتاب والسنة، وإزالة ما طرأ على السنة من تشكيك وتضليل، لكن لو اقتصرنا في تعريف التجديد على هذا المعنى سيكون ذلك في الحقيقة ظلمًا وجمودًا للنص، فَالتجديد لم يخلق لتتبُّع السابقين، وأن نتبع أثرهم فقط، فالأمر بهذا المعنى سيَخلق إشكالًا في ترك المشكلات المعاصرة كما هي دون بحث ونظر ومحاولات لحل المشكلات ولا تحديد الموقف الشرعي تجاهها؟
المطلوب حقًّا هنا هو إطالة النظر والتأمُّل في النصوص القرآنية والسنة والأحكام الفقهية، وإعادة قراءتها قراءة قوية مع مراعاة القواعد التي أكدها جميع علماء اللغة والأصول والحديث وأصول الفقه، وهذا كله لتحديد الموقف الديني من القضايا المعاصرة التي تحثُّ على طلب حل شرعي ثابت يهتدي إليه العلماء والمتخصِّصون بعد بذل الجهد والتجارب، والغريب حقًّا أن يظل لفظ التجديد في عهدنا من المصطلحات التي تحوم حولها المخاطر والتشكيكات، وهذا بسبب الاتهامات التي تكون على صواب من جهة ومغالية من جهة أخرى، ومن المؤسف حقًّا أنه لا يزال هناك بعض المؤلفين وعلماء الدين الذين يجمعون كل دعاة التجديد في سلة واحدة، لكن صراحةً فالتجديد لا ينصُّ إلا على المرونة، وهي الوجه الآخر لمعنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.
الفكرة من كتاب مقالات في التجديد
كثيرًا ما نسمع الأصوات التي تنادي وتناشد دائمًا بالتجديد الفكري، وأحيانًا بإلغاء الخطاب الديني والتخلُّص من جمود النصوص، فهم يرون أن الخطاب الديني هو أزمة الفكر، أو أنه سبب أزمة تخلُّف المسلمين في الحضارات العربية، وأنه ليس هناك حل لتلك الأزمة إلا بهدمها، وهؤلاء المدَّعون بعلو الثقافة لا يفصحون عن مقتضى هذه الدعوة، أو ما هو اللزوم المنطقي الصحيح لبناء هذه الحجة، سوى غرض واحد فقط هو دائمًا إظهار أن الأزهر ليس سوى متحف تاريخي للعرض، وهدم كل تجلياته العلمية والروحية والثقافية.
مؤلف كتاب مقالات في التجديد
الإمام الأكبر أحمد محمد أحمد الطيب: الرئيس السابق لجامعة الأزهر، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وهو أستاذ العقيدة والفلسفة، ويتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، وقد قام بترجمة كتب كثيرة من المراجع الفرنسية إلى العربية، ولديه مؤلفات عديدة في الفقه والشريعة والتصوف، ومن أشهر مؤلفاته: “الجانب النقدي في فلسفة أبي بكر البغدادي”، و”أصول نظرية العلم عند الأشعري”.