كتابات الغربيين في الميزان!
كتابات الغربيين في الميزان!
حين يقدم الرحالة الحقيقة التاريخية قد يخلط بين الموضوعية ومشاعره الذاتية الخاصة، لذا يعيب معظم كتابات الرحالة السطحية في الوصف والانطباعية في الحكم لأن كثيرًا من العادات والتقاليد والثقافات تصبح عرضة للتشويه إذا تناولها زائر غريب من ثقافة مختلفة، وبخاصة الثقافة الغربية التي تجعل لنفسها أهمية مركزية ومقياسًا لكل ما عداها من الثقافات، ولا بد من فحص كتابات الرحالة بعين ناقدة وفكر تحليلي.
تعود عدم دقة كتابات الرحالة الغربيين عن الشرق العربي لأسباب كثيرة، من أهمها جهلهم باللغة العربية والنزوع إلى الخيال واختراع الأعاجيب، والمبالغة في تقدير جهودهم وما عانوه من مصاعب خلال الرحلة، كما أدت نظرات الازدراء إلى الحكم على أهل البلد -وبخاصةٍ البدو منهم- بأحكام متسرِّعة غير منصفة، كاعتبارهم همجيين أو متوحشين لأنهم لم يتريَّثوا في فهم الأعراف المجتمعية وطبيعة حياة البدو وأمزجتهم النفسية والمعرفية، فضلًا عن الافتراءات والمبالغات، فمزجوا بين واقع لم يفهموه وخيال صنعوه، وأدَّت كذلك قصر مدة الإقامة بين السكان إلى بناء تصوُّرات غير دقيقة عنهم، في حين من طالت مدة بقائهم وانغمسوا مع السكان اتصفت كتاباتهم بالدقة والموضوعية.
كانت بعض الرحلات لأغراض سياسية تخدم الإمبريالية وتزوِّدها بملامح الحياة الاستراتيجية في آسيا وأفريقيا، ورحلات أخرى كانت لأهداف تبشيرية فتحامل أصحابها كثيرًا على المسلمين وعقائدهم، ولا يغرنَّك بعض المحاسن التي يذكرها هؤلاء وهؤلاء في سياق يحمل في طياته نية خبيثة، ومع ذلك توجد كتابات جادة ومنصفة وكثير من الرحالة تغنَّوا بعادات الشرق ومظاهر الطبيعة فيه، ومنهم من أسلم، ومنهم من آثر البقاء فيه.
الفكرة من كتاب كتابات الرحالة مصدر تاريخي
يقول ابن خلدون: “فالرحلة لا بد منها في طلب العلم ولاكتساب الفوائد، والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال”، وكتابات الرحالة ذاكرة تاريخية مهمة وإن كانت لا تُصنَّف ضمن كتب التاريخ لكنها حوت معلوماتٍ مفيدة للغاية لدارس التاريخ لأن الرحالة يدوِّن الأحداث التي استهوته خلال الرحلة ويصف المعالم والآثار التي شاهدها ويحلِّل عادات وتقاليد القوم الذين عاينهم ويرسم أنماط حياتهم الاجتماعية والسياسية، ما يقلُّ الالتفات إليه من جانب المؤرخين المعنيين بتسجيل الأحداث الكبيرة وسير العظماء.
مؤلف كتاب كتابات الرحالة مصدر تاريخي
الدكتور علي عفيفي غازي: ولد في ١٥ فبراير ١٩٧٩، وحصل على ليسانس الآداب في التاريخ من جامعة الإسكندرية ثم شهادة الماجستير في الآداب من قسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وكان موضوع رسالته للدكتوراه “رؤية الرحالة لقيم وعادات عشائر العراق (١٨٠٠ – ١٩٥٨)”، وعمل مديرًا لمكاتب جريدة “الشرق العربي” بجمهورية مصر العربية منذ يناير ٢٠٠٧ ومشرفًا عامًّا على جريدة “أخبار كفر الشيخ”، وهو عضو بالجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
أبرز مؤلفاته:
– رؤية الرحالة للمرأة البدوية في العراق والجزيرة العربية.
– الخط العربي في كتابات الرحالة الغربيين.
– الجزيرة العربية والعراق في استراتيجية محمد علي.