عطورٌ ثمينة
عطورٌ ثمينة
تخيل -عزيزي القارئ- أنك في جلسة هادئة طويلة تأتيك رائحةُ عطرٍ لا تعرف من أين جاءت، لكنك تعرفها جيدًا، إنها رائحة عطر مُحمَّل بالتوهج والحنين، يصافح حواسك فيحملك من مكانك إلى مكان آخر، وينقلك من زمنِك إلى زمنٍ آخر! إنه عطر الماضي، ذلك العطر تعرفه في حنينك القديم، في غرفة ذكرياتك التي يحفظها قلبك، تعرفه في دمعة عينيك ورقة فؤادِك، فتُدرك جيدًا أن حياتك تحمل لك الكثير من المعاني، فتُلقي من أحمالك قليلًا لتزداد اكتساءً بالمعنى، تعلم أن الرغبات لا تنتهي وأنه كلما صعد الإنسان سلم الحياة لا يعرف حدًّا للشبع، فلا بدَّ أن نتوقف قليلًا، ونسأل: لماذا جئنا إلى هذه الحياة؟
كل الذكريات، كل سعيك، ليست إلا مُجرد وسائل لغاية كُبرى، ومن الخطأ أن تجعل تلك الوسائل هي غاياتك، أن تسكن القطار وتبني فيه حياتك وتنسى أن هناك محطة لا بدَّ أن تنزل فيها، هنا تُدرك أن تحرُّر الإنسان لا يعني نيله مزيدًا من الشهوات، بل يعني ذَهاب حرصِه على الأشياء والأماكن، وهذا هو جوهر الحُرية، أن تقطع ما في أيدي الخلائق، وأن تتخلى عن مفاتيح الدُنيا، فهذا هو قارون كانت مفاتيحه لا يحملها إلا عدد من الرجال، فازداد ثقلها يومًا بعد يوم حتى خُسفت به الأرض!
واسأل كل المُسافرين أين كانت سعادتهم الحقيقية، لن يفهموا معناها أصلًا، لأن السعادة الحقيقية تكون في بصيرة المرء طريقه للجنة، أن تكون الصلاة قُرَّة عينٍ له، أن يشعر أن صدره واسع، لأنه يحمل فيه الشعور بعظمة الله!
الفكرة من كتاب تأملات في عذوبة الكون
من منَّا الآن يندهش؟ يتعجَّب؟ يلقى في قلبه حرارة الجمال إن رأى أبسط المشاهد، هل فقد عصرنا اليوم الجمال؟ أم أننا فقدنا القُدرة على معرفة الجمال؟
حين خلق الله عز وجل الكون لم يجعله صغيرًا ضيِّقًا محدود المخلوقات والمظاهر والسُنن، بل كان كل شيء في تنوُّع واختلاف، ألوان، أشكال، روائح، والكثير من الأشياء التي تنعكس في النفس، فتُعزز جانب الفرح أو الحُزن، إلا أننا فقدنا القُدرة على الوقوف المؤقت اتجاه الأشياء، وتحريك أعيننا وقلوبنا اتجاهها، لذا اختزلنا هذا الكون الواسع فضاقت علينا نفوسنا.
بأسلوب شائق وجميل يأخذنا الكاتب في رحلة إلى كوننا الواسع لنتلمس معًا الكثير من الجماليات التي لم نلتفت إليها يومًا.
مؤلف كتاب تأملات في عذوبة الكون
أحمد شفيق بهجت (1932- 2011): أديب وصحفي مصري، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، عمل كاتبًا صحفيًّا في عدد من الصحف المصرية، ثم شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، ثم نائب رئيس التحرير للشؤون الفنية بجريدة الأهرام، قدَّم برنامج “كلمتين وبس” الذي طُرح على مدى 30 عامًا على إذاعة البرنامج العام.
من أبرز مؤلفاته: “مذكرات زوج”، و”مذكرات صائم”، و”أنبياء الله”، و”بحار الحب عند الصوفية”، و”ثانية واحدة من الحب”.