أممٌ أمثالكم
أممٌ أمثالكم
إن عالم الحيوان عالم عجيب، لكنه قريب، نستطيع فهمه وإدراك معجزاته، ففي عالمنا أنواع مختلفة من الحيوانات لكل منها قدرات خاصة، فمثلًا حين تنظر إلى الطائر أبي الحنَّاء تجده واقفًا ساكنًا يميل برأسه وكأنه يراقب شيئًا ما على الأرض، وهو بطريقته تلك يستمع لصوت الدودة الدقيق في خشخشتها وهي تتحرك، كذلك الكلاب تتميَّز بحاسة سمع عجيبة، تبلغ من القوة عشرة أضعاف ما نسمع.
ولو تأملنا عالم البحار لوجدنا أن الأسماك لها أعضاء بالغة الدقة تستطيع بها معرفة ضغط الماء، فتنطلق تسبح في البحر دون أن تصطدم بالصخور، وغيرها من الأنظمة والأعضاء الدقيقة في مختلف المخلوقات البحرية التي ما زلنا لا نعلم عنها شيئًا! ويأتي السؤال المُنتظر: لماذا لا يستمع البشر إلى تلك المخلوقات؟ لماذا تُلهيهم الدُنيا ولا يظفرون بالاستمتاع إلى لحن طائر؟ فمن تأمَّل المخلوقات الأُخرى لاحظ أنها تتصرَّف تصرُّفات لا نستطيع تفسيرها علميًّا، مثلًا حين تمسح على القطة وتشعر بالحنان منك تبدأ في إصدار صوتٍ ما، فلماذا تصدر هذا الصوت؟
كذلك لو تأملت الطائر في وقت الغروب الذي يقف وحيدًا على ساقٍ واحدة، ويرفع منقاره ويظل واقفًا وقتًا طويلًا، لماذا يقف؟ حتى الحمام فإنه في وقت الفجر يصدر صوتًا جميلًا لا يُشبه صوت جوعه ولا عطشه، إنه صوت فريد، فلماذا تلك التصرُّفات؟ في الحقيقة لا يوجد إلا تفسير قد يجعل القلب هادئًا، وهو في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾، وكأن للمخلوقات صلاة غامضة، صلاة لا يعلمها إلا الله!
الفكرة من كتاب تأملات في عذوبة الكون
من منَّا الآن يندهش؟ يتعجَّب؟ يلقى في قلبه حرارة الجمال إن رأى أبسط المشاهد، هل فقد عصرنا اليوم الجمال؟ أم أننا فقدنا القُدرة على معرفة الجمال؟
حين خلق الله عز وجل الكون لم يجعله صغيرًا ضيِّقًا محدود المخلوقات والمظاهر والسُنن، بل كان كل شيء في تنوُّع واختلاف، ألوان، أشكال، روائح، والكثير من الأشياء التي تنعكس في النفس، فتُعزز جانب الفرح أو الحُزن، إلا أننا فقدنا القُدرة على الوقوف المؤقت اتجاه الأشياء، وتحريك أعيننا وقلوبنا اتجاهها، لذا اختزلنا هذا الكون الواسع فضاقت علينا نفوسنا.
بأسلوب شائق وجميل يأخذنا الكاتب في رحلة إلى كوننا الواسع لنتلمس معًا الكثير من الجماليات التي لم نلتفت إليها يومًا.
مؤلف كتاب تأملات في عذوبة الكون
أحمد شفيق بهجت (1932- 2011): أديب وصحفي مصري، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، عمل كاتبًا صحفيًّا في عدد من الصحف المصرية، ثم شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، ثم نائب رئيس التحرير للشؤون الفنية بجريدة الأهرام، قدَّم برنامج “كلمتين وبس” الذي طُرح على مدى 30 عامًا على إذاعة البرنامج العام.
من أبرز مؤلفاته: “مذكرات زوج”، و”مذكرات صائم”، و”أنبياء الله”، و”بحار الحب عند الصوفية”، و”ثانية واحدة من الحب”.