ألوان الأرض
ألوان الأرض
تظل الزهور بيننا تعبيرًا عن العاطفة، وفي اختيار الزهور أسرار، فليست كل الزهور شخصية واحدة، فبين جميع الزهور التي خلقها الله، تبقى زهرة الياسمين أرقها، وفي لونها الثلجي شحوبٌ وكأنها عاشقة وقفت أمام الشاطئ كثيرًا، فبدأت بذرف الدمع على خديها فظهرت قطرات الندى التي لا يحس بها أحد، فأحزانها مكتومة، تحفظها عن البحر والسحاب.
إن زهرة الياسمين زهرة طيبة وديعة، لا تعرف التكبُّر كزهور الفُل الأرستقراطية، ولا تعرف التبُّرج كزهور القرنفل، بل هي زهرة سهلة لا يُستعصى زرعها في كل بيت، فهي زهور خالية من الشوك والمشقة على عكس الورد البلدي، كما أن زهور الياسمين تصعد إليك لتُرسل عطرها، لا تُكلفك الانحناء أو الاقتراب، مُعلنةً بذلك حُبها للحُرية والانطلاق، ولهذا فهي قصيرة العُمر، تمامًا كعُشَّاق الحُرية الذين يموتون من أجلها.
أما زهرة الليلك فهي أيضًا من الزهور التي تستحق الوقوف والتأمُّل، فهي معجزة من معجزات هذا الكون الفسيح، ففي شحوبها صورة العاشق الذي اتصل قلبه بحركة القمر والبحار، لها من القصص والرموز ما يدل على وفائها وصدقها، فيُقال إن أحد الأمراء أحب فتاة ثم هجرها، فأحست تلك الفتاة بالوحدة وامتنعت عن الطعام حتى ماتت فتبرأ منها أهلها، إلا أن صديقاتها كُن يعرفن أنها تعرضت للخيانة وبقيت هي على الوفاء، فزرعن زهور الليلك الزرقاء على قبرها حتى صار الصباح فأصبحت بيضاء ناصعة، وهذا كان دليلًا على براءتها، ومن ثم أصبحت زهور الليلك رمزًا إلى براءة المُحب والنُبل والصدق.
الفكرة من كتاب تأملات في عذوبة الكون
من منَّا الآن يندهش؟ يتعجَّب؟ يلقى في قلبه حرارة الجمال إن رأى أبسط المشاهد، هل فقد عصرنا اليوم الجمال؟ أم أننا فقدنا القُدرة على معرفة الجمال؟
حين خلق الله عز وجل الكون لم يجعله صغيرًا ضيِّقًا محدود المخلوقات والمظاهر والسُنن، بل كان كل شيء في تنوُّع واختلاف، ألوان، أشكال، روائح، والكثير من الأشياء التي تنعكس في النفس، فتُعزز جانب الفرح أو الحُزن، إلا أننا فقدنا القُدرة على الوقوف المؤقت اتجاه الأشياء، وتحريك أعيننا وقلوبنا اتجاهها، لذا اختزلنا هذا الكون الواسع فضاقت علينا نفوسنا.
بأسلوب شائق وجميل يأخذنا الكاتب في رحلة إلى كوننا الواسع لنتلمس معًا الكثير من الجماليات التي لم نلتفت إليها يومًا.
مؤلف كتاب تأملات في عذوبة الكون
أحمد شفيق بهجت (1932- 2011): أديب وصحفي مصري، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، عمل كاتبًا صحفيًّا في عدد من الصحف المصرية، ثم شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، ثم نائب رئيس التحرير للشؤون الفنية بجريدة الأهرام، قدَّم برنامج “كلمتين وبس” الذي طُرح على مدى 30 عامًا على إذاعة البرنامج العام.
من أبرز مؤلفاته: “مذكرات زوج”، و”مذكرات صائم”، و”أنبياء الله”، و”بحار الحب عند الصوفية”، و”ثانية واحدة من الحب”.