أسرار الشتاء
أسرار الشتاء
خلق الله عزَّ وجل فصول السنة بألوانها الأربعة ولم يجعلها لونًا واحدًا، وكان أقرب الألوان لقلب الكاتب هو الشتاء، والذي يتأمَّل الشتاء والبرد يرى أن البرد مخلوق عجيب، مخلوق نستقبله بكل احترام، نتهيَّأ لقدومه باستعدادات خاصة، وأي إنسان يستخف بهذا المخلوق فسرعان ما تنقلب استهانته تلك إلى عينين حمراوين وأنف باكٍ، إلا أنه لا يقتل.. فعاقبه كعقاب الأب الذي يُربي أبناءه.
إن البرد يُبقينا متلاصقين ومتلاحمين معًا، فيزيد من الأشجان والحُب، ننكمش، نتعرَّف على بعضنا، ولا ترى العين سوى العين فتكون كل قصص الحب في الشتاء صادقة، فقد كان أوَّل اتصال فيها بالروح لا بالجسد، ويبقى قلب المُحب كالشتاء، حلمه كالسحابة توشك أن تمطر، وفي تدثُّر الشتاء واختبائه أنوثة وشوق، أكثر احترامًا وكبرياء من الصيف، فالصيف يتخفف الناس فيه من ملابسهم فتختفي معاني الأنوثة، وفي الشتاء يبقى كل شيئًا عميقًا قويًّا، حتى في القراءة، فالشتاء يحب القراءة الجامدة على عكس الصيف الذي تكون القراءة فيه سريعة للتسلية.
والشتاء أكثر قُربًا من مشاعرنا، فهو يحمل سحابًا مُمسكًا دموعه، وما إن نظرت إليه حتى يبدأ في البكاء، لكن الصيف لا يبكي أبدًا، قاسيًا لا يعرف الرِّقة ولا البكاء، وبكاء الشتاء مُعجزة، فالأمطار بحار قديمة، فتأتي تلك البحار إلينا، ولا نأتيها على عكس الصيف.
الفكرة من كتاب تأملات في عذوبة الكون
من منَّا الآن يندهش؟ يتعجَّب؟ يلقى في قلبه حرارة الجمال إن رأى أبسط المشاهد، هل فقد عصرنا اليوم الجمال؟ أم أننا فقدنا القُدرة على معرفة الجمال؟
حين خلق الله عز وجل الكون لم يجعله صغيرًا ضيِّقًا محدود المخلوقات والمظاهر والسُنن، بل كان كل شيء في تنوُّع واختلاف، ألوان، أشكال، روائح، والكثير من الأشياء التي تنعكس في النفس، فتُعزز جانب الفرح أو الحُزن، إلا أننا فقدنا القُدرة على الوقوف المؤقت اتجاه الأشياء، وتحريك أعيننا وقلوبنا اتجاهها، لذا اختزلنا هذا الكون الواسع فضاقت علينا نفوسنا.
بأسلوب شائق وجميل يأخذنا الكاتب في رحلة إلى كوننا الواسع لنتلمس معًا الكثير من الجماليات التي لم نلتفت إليها يومًا.
مؤلف كتاب تأملات في عذوبة الكون
أحمد شفيق بهجت (1932- 2011): أديب وصحفي مصري، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، عمل كاتبًا صحفيًّا في عدد من الصحف المصرية، ثم شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، ثم نائب رئيس التحرير للشؤون الفنية بجريدة الأهرام، قدَّم برنامج “كلمتين وبس” الذي طُرح على مدى 30 عامًا على إذاعة البرنامج العام.
من أبرز مؤلفاته: “مذكرات زوج”، و”مذكرات صائم”، و”أنبياء الله”، و”بحار الحب عند الصوفية”، و”ثانية واحدة من الحب”.