محو ذاكرة الفلسطيني وعلاقته بالمكان!
محو ذاكرة الفلسطيني وعلاقته بالمكان!
إن من أسوأ الجرائم التي قام بها وما زال يقوم بها المحتل الإسرائيلي في حق الإنسان الفلسطيني هو قطع علاقة وارتباط الفلسطيني بالمكان (أي أرض فلسطين)، وذلك من خلال محو “الذاكرة المكانية”، فنجد المحتل الإسرائيلي يقوم بطرد وتهجير المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض من مساكنهم ويقوم بإزالة القرى الفلسطينية من خلال إزالة البيوت والمباني، فبالتالي لا يجد الإنسان الفلسطيني أي صورة في ذهنه يمكن أن يسقطها على منزله أو المدرسة أو حتى الشارع الذي كان يلعب فيه وهو صغير بعد أن تمت إزالة الأماكن التي يرتبط بها وتشكِّل له الذاكرة المكانية، فتخفت الذاكرة وتمَّحي تدريجيًّا.
وليس هذا فحسب، بل ويقوم المحتل الإسرائيلي أيضًا بتغيير اسم القرية والمدينة والحي الفلسطيني المسمَّى بأسماء عربية إلى آخر إسرائيلي عِبري، حيث نجد مئات القرى والأحياء والمدن الفلسطينية تم تغيير أسمائها إلى أسماء إسرائيلية عبرية مثل مدينة “أريحا” أصبحت “يريحو”، “وباب الواد” بالقدس أصبح “شاعر هاجاي”، وبالتالي يفقد الإنسان الفلسطيني علاقتة بالمكان بشكل كلي وجذري، حيث تُمحى الأحداث المرتبطة بالمكان من الذاكرة، فيصبح بداية التاريخ هو بداية تسمية المدينة باسم “يريحو وشاعر هاجاي” وما قبل ذلك لم يعد حتى صفحة من التاريخ، بل لم يعد موجودًا البتَّة!
ومثل ذلك حدث عندما نجحت الثورة الفرنسية، حيث قام الثوار الفرنسيون بتغيير أسماء العديد من الميادين والشوارع والكباري والقصور، وتم وضع أسماء مثل “فولتير”، “وروسو” وغيرهما مكانها، وبالتالي أصبحت الأحداث المتعلقة بتلك الأماكن والمباني تبدأ زمانيًّا من تاريخ قيام الثورة، فتم بذلك محو الذاكرة المكانية والوعي التاريخي المتعلق بها، فلم يعد العصر الملكي في فرنسا والأحداث المرتبطة به جزءًا من تاريخ تلك الأماكن، حيث أصبحت الثورة هي بداية التاريخ بالنسبة لتلك الأماكن!
الفكرة من كتاب كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟
لقد أضحى النسيان سمة أساسية من سمات الحداثة، حيث أصبحت المجتمعات تفقد تدريجيًّا ذاكرتها وعلاقتها بالماضي كنوع من أنواع فقدان الذاكرة الجماعي، مما ينتج عن ذلك من تدمير الروابط التي تقوم بوصل الإنسان المعاصر بماضيه، وبالتالي فصله عن جذوزه الممتدة إلى الأجيال السابقة عليه، حيث أصبح الجيل الصاعد من الجنسين (الرجال والنساء) يفتقر إلى تلك العلاقة العضوية التي تربطه بالماضي، تلك العلاقة التي خلقت وأوجدت الحاضر الذي يعيشه الآن، فنجد أن الإنسان المعاصر بسبب السيل الهادر من المعلوماتية لم يعد لديه قدرة على التذكر أو الوعي التاريخي، وأصبح يمتلك ذاكرة السمك.
مؤلف كتاب كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟
بول كونرتون ، يشعل وظيفة باحث مشارك في قسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة، كما أنه زميل شرف بمعهد الدراسات الألمانية والرومانسية بجامعة لندن، من كتبه: “كيف يغزو النسيان ذاكرة الحداثة؟”.
معلومات عن المترجم:
علي فرغلي، هو عضو هيئة التدريس بكلية الآداب قسم علم الاجتماع بجامعة عين شمس، كما شغل منصب النائب الأسبق لعميد كلية الآداب بجامعة تعز باليمن، له عدد من الكتب التي قام بتأليفها، مثل: “الدولة والطبقات الاجتماعية في مصر”، و”العولمة والهوية الثقافية”، ومن الكتب المترجمة: “النظرية الاجتماعية والواقع الإنساني”.