الرأسمالية الشمولية الصينية
الرأسمالية الشمولية الصينية
عند الحديث عن الصين لا بدَّ من ذكر الحزب “الشيوعي الصيني”، الذي يحكمها منذ أكثر من 70 عامًا، فالحزب الشيوعي الصيني عبارة عن “جهاز ليس له مثيل من الرقابة الاجتماعية والشمولية”، يضع حدودًا وقيودًا على الحرية الفردية، وذلك من أجل أن تكون جميع الأنشطة الجماعية والفردية داخل الصين خاضعة للدولة.
تولَّى حكم الصين الزعيم “ماو” حتى عام 1976، وخلال فترة حكمه دخلت البلاد في فوضى اقتصادية عارمة؛ حيث انتشرت المجاعات التي قتلت ملايين الصينيين، إلى جانب مقتل الملايين على يد السلطة، فكان الشعب يعيش في خوف ورعب من أن يخطو أي خطوة يحرِّمها الحزب الشيوعي أو الحكومة الصينية، وبعد موت “ماو” كانت الصين مثل المريض مرض الموت سياسيًّا واقتصاديًّا، وتولى الحكم بعد ذلك الرئيس “دينج أكسيانج”، الذي طبَّق النظام “الرأسمالي” بدلًا من التنظيم الجماعي للاقتصاد الذي حاولت الصين أن تطبقه خلال فترة حكم “ماو”، فخصخص عددًا من الشركات العامة، وكتب نهاية المبدأ الشيوعي القائم على امتلاك الدولة وسائل الإنتاج، كما شجع على إنشاء الشركات الخاصة الكبيرة والصغيرة في النشاطات الاقتصادية كافةً، وأحيا الرأسمالية في القرى والمناطق الريفية، فاستبدل بالبلديات الشعبية الملكيات العائلية، كما أنشأ مناطق اقتصادية خاصة مثل مدينة “شينزين”، وبذلك تحولت الصين إلى ورشة صغيرة للعالم.
وبسبب استبدال الصين الرأسمالية بالتنظيم الجماعي، فإن البعض ذهب إلى الاعتقاد بأنها ستتجه صوب “الديمقراطية”، متجاهلين أحداثًا مثل القمع الشديد الذي تعرَّض له الطلاب الصينيون في ميدان “تيانانمين” عندما وضعوا تمثالًا يتضمن إشارة إلى مفهوم الديمقراطية في مواجهة صورة “ماو”، وبالرغم من موته فإن صور “ماو” ظلت موجودة في كل المحافل والأعياد الصينية، وهذه رسالة مفادها أن “الحزب الشيوعي الصيني اليوم مثل الأمس”.
لذا سوف تظل الصين ذات نظام شمولي، فهي دولة تمنع إنشاء أي أحزاب سياسية غير الحزب الشيوعي الحاكم، كما أنها تعتقل وتعذب أي جماعة دينية أو عرقية يمكن أن تكون أفكارها تهديدًا للهيمنة السياسية للحزب الشيوعي، فقد منع الحزب الشيوعي ممارسة ديانة “فالون غونج” عندما استشعر الحزب أن تلك الديانة تهدد هيمنته -وهذا ما يُفعل حاليًّا ضد “مُسلمي الإيغور” في تركستان الشرقية عندما اُستشعر أن الإيغور يشكلون تهديدًا لهيمنة الحزب الشيوعي الصيني-.
الفكرة من كتاب التوجه الصيني نحو الهيمنة العالمية.. الإمبريالية الاقتصادية
يشهد العالم حاليًّا وخلال السنوات القليلة الماضية صراعًا سياسيًّا واقتصاديًّا بين جمهورية الصين والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الهيمنة العالمية، والواقع الحالي يشير إلى أن الصين تخطت الاقتصاد الأمريكي الذي كان يعادل ثلاثة أضعاف الاقتصاد الصيني منذ أكثر من عشر سنوات!
حيث ظن الجميع عندما تبنَّت الصين النظام الرأسمالي خلال النصف الثاني من القرن العشرين أنها سوف تتجه ولا ريب نحو الديمقراطية، لكنها على عكس المتوقع أقامت نظامًا خاصًّا بها وهو “الرأسمالية الشمولية” الصينية في مواجهة “الرأسمالية الديمقراطية” الغربية.
مؤلف كتاب التوجه الصيني نحو الهيمنة العالمية.. الإمبريالية الاقتصادية
أنطوان برونيه : كاتب اقتصادي فرنسي، وعضو مركز دراسات الاقتصاد الكلي والتحويل الدولي، حاز جائزة أفضل الاقتصاديين في السوق الباريسية، ويدير حاليًّا مؤسسة (A.B.) للأسواق.
جون بول جيشار : اقتصادي فرنسي، وعضو مركز دراسات الاقتصاد الكلي والتحويل الدولي، ويشغل منصب أستاذ الاقتصاد في جامعة نيس الفرنسية، إلى جانب شغله منصب أستاذ محاضر في برنامج “جون مونيه” للاتحاد الأوروبي.
من أبرز مؤلفاتهما:
Du tsarisme au totalitarisme
L’Etat-parti chinois et les multinationales
Précis D’histoire De La Civilisation Occidentale
معلومات عن المترجم:
عادل عبد العزيز أحمد: مترجم مصري، تخرج في كلية التجارة جامعة الأزهر قسم الاقتصاد، وحصل على درجة الماجستير من جامعة باريس في التجارة الدولية، ودرجة الدكتوراه من جامعة نيس الفرنسية، ويعمل حاليًّا مستشارًا اقتصاديًّا في مكتب بيتكوم باريس، ورئيسًا للجمعية الأورومتوسطية للتنمية المستدامة في مصر ومقرها باريس، وله العديد من الأبحاث والمؤلفات والكتب المترجمة.