إسلامية المعرفة.. الغاية والمضمون
إسلامية المعرفة.. الغاية والمضمون
تتمثَّل غايات إسلامية المعرفة في هدفين؛ الأول: يكون بإصلاح الفكر الإسلامي وإحياء الاجتهاد والتجديد في التعامل مع القرآن الكريم، والسنة النبوية، والتراث الإسلامي؛ والثاني: يكون بأسلمة المعرفة البشرية المعاصرة من خلال عمليات التحليل المعرفي، بكشف التحيُّزات الكامنة في بنية هذه المعارف، وتخليصها من إطارها الوضعي العلماني، ثم ترشيدها بهداية الوحي لجعلها متوافقة مع سنن الله الكونية التي لا تتبدَّل، فإسلامية المعرفة إذن هي اجتهاد وتجديد في فهم النص مع استيعاب وتجاوز للتراث والواقع باتجاه القيم القرآنية الحاكمة: التوحيد والتزكية والعمران؛ فالتوحيد يعني اتساق المعرفة مع حقائق كون الله الخالق كل شيء، ومدبر الأمر، أما العمران فيشير إلى أن المعرفة الحقة هي التي يتحقَّق من ورائها الحضارة وتعمير الأرض، أما التزكية فتعني تسخير كل هذه المعارف لترقية نفس الإنسان ومعيشته وسلوكه في تعامله مع كل من حوله.
لذلك فلا تعني إسلامية المعرفة مجرد إضافة آية هنا وحديث هناك، كما لا تعني مجرد البحث عن جذور الفكر الغربي المعاصر في التراث الإسلامي للتدليل على سابقية المسلمين في الوصول إليه، كما لا تعنى إنتاج معرفة إسلامية منفصلة عن مجمل الإنجاز المعرفي البشري من شتى مصادره الغربية وغير الغربية، بل إنها تُريد أن تزُجَّ بالمصادر الإسلامية الأساسية لتكون مصادر مُعترفًا بها للوصول إلى المعرفة، كما تريد أن تكون المعرفة التي يصل إليها المسلم إسهامًا وإثراءً حقيقيًّا للتيار العلمي السائد نقضًا ونقدًا، إضافةً وحذفًا، كما تريد من خلال دراسته للواقع، لا تحريفه، وإنما توصيفه توصيفًا دقيقًا للكشف عن مكامن الخلل فيه، وإمكانيات تغييره ليكون ملائمًا لتحقيق مهمة المسلم ورسالته في الكون.
الفكرة من كتاب مقالات في إسلامية المعرفة
أدَّت تراكمات الاستعمار الأوروبي لشعوب وبلدان العالم الإسلامي إلى تغريب ثقافة هذه الشعوب، وجعلها منفصلة عن أي سياق تاريخي أو ديني أو جغرافي محلي، وهيمنت بفكرها الوافد على شتى مظاهر حياته ومعرفته، مُحاولةً أن تجعل منها نسخة باهتة من نمط الحياة الأوروبي، فأصبح يُنظر بعين الريبة والشك إذا أُدخل مصطلح إسلامي إلى أي شيء! فإن الزي الإسلامي، والآداب الإسلامية في الطعام والشراب ودخول المنزل والخروج منه يعد المتمسِّك بها تقليديًّا وضد الحداثة، ويرفض التقدم!
وإزاء ذلك ظهرت حركات تنادي لا بأسلمة نمط الحياة فحسب ولكن بأسلمة العلوم والمعارف المختلفة الاجتماعية منها والطبيعية، وجعلها أكثر قربًا من واقع المسلمين المُعاصر بعمقه التاريخي والحضاري، ومستمدة من الوحي مصدرًا للمعرفة إلى جانب العقل، آخذة في الاعتبار ما في التراث الإسلامي من اجتهادات تستحق النهل منها لا من الغرب وحسب.
مؤلف كتاب مقالات في إسلامية المعرفة
فتحي حسن ملكاوي: أستاذ جامعي متخصص في العلوم التربوية، وبخاصةٍ من منظور إسلامي، ولد في الأردن عام 1943، وعمل بعد حصوله على البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا من جامعة دمشق، في وزارة التربية والتعليم الأردنية خلال الفترة من عام 1966 حتى 1978، ثم بعد حصوله على الدكتوراه في التربية من جامعة ميشيغان الأمريكية عمل في التدريس الجامعي في كلية التربية وكلية الشريعة بجامعة اليرموك بالأردن في الفترة من 1984 حتى 1996؛ ليتفرغ بعد هذا التاريخ للبحث والتأليف في إسلامية المعرفة، وإدارة المشروعات المختلفة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
له عدة مؤلفات، منها: “منظومة القيم المقاصدية وتجلياتها التربوية”، و”نصوص من التراث التربوي الإسلامي”، و”البناء الفكري: مفهومه ومستوياته وخرائطه”، فضلًا عن عددٍ من الأعمال المُحرَّرة منها على سبيل المثال: “نحو نظام معرفي إسلامي”، بالإضافة إلى العديد من الدراسات المنشورة، كما تُرجمت بعض مؤلفاته إلى اللغة الإنجليزية.