الإسلام والمعرفة
الإسلام والمعرفة
إن أول سؤال يُطرح في هذا الشأن: هل للعلم والمعرفة دين تنبثق عنه وتستمد منه مرجعيتها؟! أليست المعرفة منجزًا بشريًّا “عالميًّا” موضوعيًّا لا يُفترض ولا ينبغي له أن يكون مرتبطًا بتحيُّزات دينية؟! هكذا سُطر أول الانتقادات التي وُجِّهت إلى مشروع إسلامية المعرفة، والرد من وجهة نظر روَّاده يكمن في أمرين؛ الأول يؤكد أن فكرة الموضوعية ذاتها وُجِهت بموجة من الانتقادات حتى في منبع نشأتها (الغرب)، وأوضحت العديد من الكتابات أن الموضوعية تكاد تكون مستحيلة، فشخصية الباحث وقيمه تتداخل بقوة في طرحه موضوعاته وتحليله لها، والثاني: أن الإسلام الذي ابتدأ بـ”اقرأ”، وهو دين الهدى، لا يجوز ألا يكون له هداية في المعرفة، كما أن له هدايته في السياسة والاقتصاد، وكل نظم الحياة، بل إن الإسلام دين معرفي بامتياز يحثُّ عليها، كما يُحرِّض على استخدامها في خدمة البشرية كلها.
والسؤال الذي يُطرَح هنا أيضًا: لماذا تُقبل العلمانية والحداثة الغربية بمرجعيتهما المسيحية، وتُرفض من الإسلام بقيمه العالمية أن تستحوذ على عقل المسلم في سعيه إلى المعرفة؟! لقد بدا أن تحيزًا تسرَّب إلى عقول أبناء العالم الإسلامي قبل الغرب في تعاملهم مع البُعد المعرفي في الإسلام فعطَّل حسهم النقدي، وأبعدهم عن المضمون الحقيقي للقيم الإسلامية، وهذا ما يؤكده الكاتب من أن مبحث المعرفة في الرؤية الإسلامية جزءٌ لا ينفصل عن مبحث الوجود، ولا يُفهَم إلا في إطاره، كما يتحدَّد بحدوده وحقائقه التي تتمثَّل في أن الله هو الذي خلق جميع الموجودات، وأودع فيها القاموس والسنن التي تسير بها، والتي يصبح على الإنسان مسؤولية اكتشافها، وتسييرها في صالح إعمار الكون.
الفكرة من كتاب مقالات في إسلامية المعرفة
أدَّت تراكمات الاستعمار الأوروبي لشعوب وبلدان العالم الإسلامي إلى تغريب ثقافة هذه الشعوب، وجعلها منفصلة عن أي سياق تاريخي أو ديني أو جغرافي محلي، وهيمنت بفكرها الوافد على شتى مظاهر حياته ومعرفته، مُحاولةً أن تجعل منها نسخة باهتة من نمط الحياة الأوروبي، فأصبح يُنظر بعين الريبة والشك إذا أُدخل مصطلح إسلامي إلى أي شيء! فإن الزي الإسلامي، والآداب الإسلامية في الطعام والشراب ودخول المنزل والخروج منه يعد المتمسِّك بها تقليديًّا وضد الحداثة، ويرفض التقدم!
وإزاء ذلك ظهرت حركات تنادي لا بأسلمة نمط الحياة فحسب ولكن بأسلمة العلوم والمعارف المختلفة الاجتماعية منها والطبيعية، وجعلها أكثر قربًا من واقع المسلمين المُعاصر بعمقه التاريخي والحضاري، ومستمدة من الوحي مصدرًا للمعرفة إلى جانب العقل، آخذة في الاعتبار ما في التراث الإسلامي من اجتهادات تستحق النهل منها لا من الغرب وحسب.
مؤلف كتاب مقالات في إسلامية المعرفة
فتحي حسن ملكاوي: أستاذ جامعي متخصص في العلوم التربوية، وبخاصةٍ من منظور إسلامي، ولد في الأردن عام 1943، وعمل بعد حصوله على البكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا من جامعة دمشق، في وزارة التربية والتعليم الأردنية خلال الفترة من عام 1966 حتى 1978، ثم بعد حصوله على الدكتوراه في التربية من جامعة ميشيغان الأمريكية عمل في التدريس الجامعي في كلية التربية وكلية الشريعة بجامعة اليرموك بالأردن في الفترة من 1984 حتى 1996؛ ليتفرغ بعد هذا التاريخ للبحث والتأليف في إسلامية المعرفة، وإدارة المشروعات المختلفة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
له عدة مؤلفات، منها: “منظومة القيم المقاصدية وتجلياتها التربوية”، و”نصوص من التراث التربوي الإسلامي”، و”البناء الفكري: مفهومه ومستوياته وخرائطه”، فضلًا عن عددٍ من الأعمال المُحرَّرة منها على سبيل المثال: “نحو نظام معرفي إسلامي”، بالإضافة إلى العديد من الدراسات المنشورة، كما تُرجمت بعض مؤلفاته إلى اللغة الإنجليزية.