ماذا بعد السجن؟
ماذا بعد السجن؟
ما الانطباع الأول في المرة الأولى حين الوصول إلى السجن؟! لا يتذكَّر الكاتب، ولكن الأكيد أنه لم يكن يدور بخلده ما سيدور في هذا المكان، كانت المشاهدة الأولى ذهبًا لمستمعين متحفِّزين، ثم انقلبت نحاسًا، ثم صارت ترابًا مع السنين، مرَّت الأحداث ومرَّ السجن، الزمن مرَّ ببطء ولكن التذكُّر سريع جدًّا، والأحداث جسام داخل السجن، وتلك الاحتفالات التي كانت تضفي على الزمن ثقلًا وهيبة، كالعيد والتخرج والأولاد والزواج وغيرها، لم تكن موجودة، وقد مرَّت الأيام بما حملت من ألم وعذاب وإهانة وضياع وحزن، وتبقَّت الذكرى.
لا بد أن يتصالح المرء مع السنوات التي سرقت في السجن والعمر الضائع فيه، وإلا ضاع المتبقي من العمر، ويكون النمو في السجن بقدر الزمن الداخل، ويكبر الجسد بكل تأكيد، وينمو الشيب، ويصلع الرأس، وتبدأ آلام الظهر، ويخفت بريق العينين، والضحكة تنقلب بتقطيبة دائمة تعلو الجبين، وينمو أيضًا فكريًّا وعقليًّا بقدر، ولكن هناك مساحات نمو تتوقَّف تمامًا، كالنمو العاطفي والتعامل مع الطرف الآخر، وتفشل العلاقات الأولى للخارجين من السجن غالبًا، فلا خبرة ولا وعي بمقدار التقدُّم العمري الذي تمَّ بالداخل وتجاوزه أشياء لا يتخيَّل أنه تجاوزها.
يؤكد الكاتب أنه انفصل عن السجن بالفعل انفصالًا عميقًا لدرجة أنه يتذكَّره الآن دون انفعال قوي، فهل السبب أنه يحمل السجن دومًا معه كجزء من تكوينه، أم أنه حرصه على ألا يظلَّ سجينًا سابقًا تنحصر أفعاله في إطار هذه الصورة من محاولة ثأر أو عودة مثلًا؟
الفكرة من كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
إن هذا الكتاب لا يعده كاتبه ضمن أدب السجون ولا البحث الاجتماعي، ولا حتى كتبه بروح المظلومية وفضح النظام، ولكن الكتاب تأمُّلات قصة حياة السجن، ويحمل طابع السير الذاتية، فحياته كانت في الداخل، وجزء من تكوينه الأساسي كان في السجن، فقد دخل وهو ابن عشرين عامًا، ونشر الكتاب وهو في الخمسين.
يبدأ موضوع الكتاب من لحظة الاعتقال في فجر أحد أيام ديسمبر عام 1980، طالب الطب صاحب العشرين عامًا، وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوري ياسين الحاج صالح، ليقضي ستة عشر عامًا وأربعة عشر يومًا ما بين سجن المسلمية بحلب، ثم سجن عدرا بدمشق عام 1992، وأخيرًا ينهي المأساة بمأساة أكبر استمرت نحو سنة كاملة في سجن تدمر الرهيب، ليخرج في أواخر ديسمبر عام 1996م.
مؤلف كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
ياسين الحاج صالح، كاتب سياسي ومعتقل يساري سابق، مؤلف مشتغل بالشؤون السورية ونقد الثقافة والإسلام المعاصر.
وُلِدَ في مدينة الرقة عام 1961م، واعتُقِل عام 1980م في السنة الثالثة لكلية الطب، بتهمة الانضمام إلى تنظيم شيوعي ديمقراطي، ويعتبر حاليًّا من أهم الكتاب السوريين في قضايا الثقافة والعلمانية والديمقراطية والإسلام المعاصر.
من مؤلفاته: “سوريا من الظل”، و”أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده”، و”السير على قدم واحدة”، و”الثقافة كسياسة: المثقفون ومسؤولياتهم الاجتماعية في زمن الغيلان”، و”أي إسلام وأي علمانية”، و”بالخلاص يا شباب”.