الخصوصية في السجن
الخصوصية في السجن
هنا حيث لا خصوصية أبدًا، هنا مكان استهلاكها وتبديدها، أنت مكشوف ظاهر محروق، فالكذاب يُكشف، والأناني يُعرف، والمكار يُفضح، وبعد فترة الابتذال يطول الجميع، ويفقدهم احترامهم لأنفسهم وللآخرين، فلا أحد هنا يستطيع أن يمارس حقه في إظهار الصورة التي يحبها عن نفسه، وحقه في تجنُّب كشف عيوبه ومشاكله، هنا حيث لا أسرار، ولكن هل ما يكشفه السجن هو حقيقة الشخص؟!
تذكر أن السجن شرط غير سوي ولا إنساني، وضغط أكثر مما يتحمَّل؛ وتحقيق وتعذيب وألم ويأس، وما بين كل معنى وضده شعرة، ما بين الصمود والانهيار، وما بين الصمت والاعتراف، يمكن أن يعيش المرء ويموت ولا يتعرَّض لهذه المعاني التي يراها في السجن، وبقدر ما يفقد الشخص في كل تحقيق أو تعذيب، يفقد جزءًا من صورته أمام نفسه والآخرين، فالأشخاص الذين صمدوا كانوا أكثر إيجابية من غيرهم، ولكن في السجن قلَّ أن يعاتب أحدٌ الآخر على عدم صموده، أو على اعترافه، طالما لم ينكر ذلك، هو شرط غير سوي للحكم، ولكنه لا بد أن يترك أثره في الروح.
ولكن مع كل استهلاك الخصوصية الكبير، تظل هناك مساحة جوانيَّة للتأمل والتدبُّر، يوسعها كل شخص بقدر نضجه، وهناك خصوصية جديدة يُكسِبها التحرُّر من السجون التي كانت تقيِّد الحياة بالخارج، كحزب أو عقيدة أو أشخاص؛ هنا انقطعت كل العلاقات، وكل الخيوط وتُرِكت مع ذاتك تبنيها على مهل.
الفكرة من كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
إن هذا الكتاب لا يعده كاتبه ضمن أدب السجون ولا البحث الاجتماعي، ولا حتى كتبه بروح المظلومية وفضح النظام، ولكن الكتاب تأمُّلات قصة حياة السجن، ويحمل طابع السير الذاتية، فحياته كانت في الداخل، وجزء من تكوينه الأساسي كان في السجن، فقد دخل وهو ابن عشرين عامًا، ونشر الكتاب وهو في الخمسين.
يبدأ موضوع الكتاب من لحظة الاعتقال في فجر أحد أيام ديسمبر عام 1980، طالب الطب صاحب العشرين عامًا، وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوري ياسين الحاج صالح، ليقضي ستة عشر عامًا وأربعة عشر يومًا ما بين سجن المسلمية بحلب، ثم سجن عدرا بدمشق عام 1992، وأخيرًا ينهي المأساة بمأساة أكبر استمرت نحو سنة كاملة في سجن تدمر الرهيب، ليخرج في أواخر ديسمبر عام 1996م.
مؤلف كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
ياسين الحاج صالح، كاتب سياسي ومعتقل يساري سابق، مؤلف مشتغل بالشؤون السورية ونقد الثقافة والإسلام المعاصر.
وُلِدَ في مدينة الرقة عام 1961م، واعتُقِل عام 1980م في السنة الثالثة لكلية الطب، بتهمة الانضمام إلى تنظيم شيوعي ديمقراطي، ويعتبر حاليًّا من أهم الكتاب السوريين في قضايا الثقافة والعلمانية والديمقراطية والإسلام المعاصر.
من مؤلفاته: “سوريا من الظل”، و”أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده”، و”السير على قدم واحدة”، و”الثقافة كسياسة: المثقفون ومسؤولياتهم الاجتماعية في زمن الغيلان”، و”أي إسلام وأي علمانية”، و”بالخلاص يا شباب”.