عن الزمن والحياة
عن الزمن والحياة
ماذا تفعل في مكان صغير مغلق ومعك الوقت واليوم؟ أنت لا تملك هناك إلا أن تبقى على قيد الحياة، هذا ما تستطيع فعله في الحقيقة.
إذا أردت أن أعرف لك سجنًا مثاليًّا، فهو ذلك المكان المغلق الذي لا يدخل إليه الزمن ولا يخرج منه، زمن راكد متوقِّف، ولكن حمدًا لله أن الفساد منع هذه المثالية.
يتعامل السجناء مع الوقت إما بالقتل وإما بالكسب، وهذا بالطبع بمقدار ما يتيحه السجن من أدوات لذلك، ولكن التعامل مع الأدوات يكون بقدر اعتراف الشخص بسجنه، وتصالحه معه، فبعض الناس يأبى ذلك، ويمنِّي نفسه بالخروج العاجل القريب وأنها مسألة وقت، ولعلَّ الحبس العرفي- الاحتياطي- دون تحديد مدة للحبس يزيد العذاب عذابًا، ويقلِّل من إمكانية التعايش والتصالح، ويتحمَّل فيه السجين الوقت تحملًا سلبيًّا ويعتبره وقتًا ضائعًا.
أما من يتصالح مع سجنه ويروِّض نفسه عليه، فذلك أذكى، وهكذا يجب أن يفعل السجين العرفي، يعمل لسجنه كأنه مسجون أبدًا، ويعمل لإطلاقه كأنه خارج غدًا، كان ياسين الحاج يكسب وقته بالقراءة، وقد سمحت لهم إدارة السجن عام 85 بدخول مائة كتاب تقريبًا، ثم قطعوا الإمدادات، ولكن مع الرشوة والمعرفة والمخزون الذي بالداخل أمكن إدخال المزيد، دخل إليهم كتب لهيجل وعبدالله العروي والجابري وإدوارد سعيد وعبدالفتاح إمام وزكريا إبراهيم وغيرهم، فالقراءة هي التي سمحت ببعض التحرُّر وبعض الخروج من الغرفة الضيقة إلى أفق وعوالم الكتاب، ويحكي أنه كان يشعر بتنميل في أسفل جمجمته بعد جلسات القراءة الطويلة في أول شهور القراءة.
كانت الزيارات هي الوتد الذي تربط إليه خيمة الزمن، كانت تطعيمًا ضد الفجأة والصدمات، وكانت تنقل الزمن الخارجي الطازج إلى الداخل، فلان تزوَّج، فلان يسلِّم عليك، فلان مات.
الفكرة من كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
إن هذا الكتاب لا يعده كاتبه ضمن أدب السجون ولا البحث الاجتماعي، ولا حتى كتبه بروح المظلومية وفضح النظام، ولكن الكتاب تأمُّلات قصة حياة السجن، ويحمل طابع السير الذاتية، فحياته كانت في الداخل، وجزء من تكوينه الأساسي كان في السجن، فقد دخل وهو ابن عشرين عامًا، ونشر الكتاب وهو في الخمسين.
يبدأ موضوع الكتاب من لحظة الاعتقال في فجر أحد أيام ديسمبر عام 1980، طالب الطب صاحب العشرين عامًا، وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوري ياسين الحاج صالح، ليقضي ستة عشر عامًا وأربعة عشر يومًا ما بين سجن المسلمية بحلب، ثم سجن عدرا بدمشق عام 1992، وأخيرًا ينهي المأساة بمأساة أكبر استمرت نحو سنة كاملة في سجن تدمر الرهيب، ليخرج في أواخر ديسمبر عام 1996م.
مؤلف كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
ياسين الحاج صالح، كاتب سياسي ومعتقل يساري سابق، مؤلف مشتغل بالشؤون السورية ونقد الثقافة والإسلام المعاصر.
وُلِدَ في مدينة الرقة عام 1961م، واعتُقِل عام 1980م في السنة الثالثة لكلية الطب، بتهمة الانضمام إلى تنظيم شيوعي ديمقراطي، ويعتبر حاليًّا من أهم الكتاب السوريين في قضايا الثقافة والعلمانية والديمقراطية والإسلام المعاصر.
من مؤلفاته: “سوريا من الظل”، و”أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده”، و”السير على قدم واحدة”، و”الثقافة كسياسة: المثقفون ومسؤولياتهم الاجتماعية في زمن الغيلان”، و”أي إسلام وأي علمانية”، و”بالخلاص يا شباب”.