إحصاء وعد أم تعلق وفهم؟
إحصاء وعد أم تعلق وفهم؟
ينشغل كثير من الناس بقضية إحصاء وعدِّ الأسماء الحسنى الواردة في قوله (صلى الله عليه وسلم): «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة. إنه وتر يحب الوتر»، وفي رواية «من حفظها دخل الجنة»، وفي أخرى: «إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا مائة غير واحد لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر»، وغير ذلك من الأحاديث، وما وردت تلك الأحاديث إلا للفت النظر والعناية إلى الاهتمام بها لكونها بابًا، بل أم أبواب التعرف والتقرب لله سبحانه بالدعاء والمناجاة.
ويأتي السؤال: ما المراد بالحفظ إذًا؟ رجح أغلب العلماء أن المراد الحفظ هو حفظ المقتضيات من الأفعال والتصرفات، لا حفظ اللفظ فقط، فاسم الله الهادي مثلًا يقتضي منك أن توقن وتعتقد أنه لا سبيل للهداية إلا من عنده بما شرعه وأمر به ودعا إليه عن طريق رسله وشرعه، فيقتضي منك ذلك سؤاله ودعاءه أن يهديك ويهدي إليك ويبين لك السبيل، وكذلك اسمه الرزاق أو الوكيل ونحو ذلك، وهنا ينبغي التنبيه لقضية مهمة ألا وهي أن مجرد الاعتقاد ومعرفة ما تقتضيه تلك الأسماء لا ينافي أن يأخذ المرء بعدها بالأسباب المشروعة، بل الأخذ بالأسباب من مقتضياتها، وقد قيل إن من أحسن الظن أحسن العمل.
إذًا قد لا يكفيك مجرد الحفظ بل عليك أن تضم معه العمل والاعتقاد، وهذا الباب من أعظم الأبواب التي يُقبل بها العبد على ربه تبارك وتعالى حين يدعو، بل الله سبحانه قد أمر بذلك في قوله: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا﴾، وعليك أن تعلم أن أسماء الله حسنى كلها جميلة كلها، فهو سبحانه وإن ضرَّك فما ضرَّك إلا لينفعك وما ذلَّك إلا ليُعزَّك وما خفضك إلا ليرفعك، ولايؤتى هذا الفهم إلا من هو محسن الظن بربه يعلم أن الآخرة هي خير من الدنيا، وأنه سوف يعطيه ربه فيرضى!
الفكرة من كتاب كاشف الأحزان ومسالح الأمان
واهم هو من ظن أو اعتقد أن أهل الصلاح أو العلم أو الدعوة لا ينالهم من البلايا مثل ما ينال سواهم، وذلك لفضل علم عندهم أو تقوى، والحقيقة هي أن أشد الناس بلاء هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، والله إنما يبتلي العبد لحكمة ولخير إما ليعلمه وإما ليربيه أو ليفتح عينيه على ذنب كاد يهلكه، أو ليرفع درجته بهذا البلاء في الجنة درجة ما كان سيبلغها بعلمه ولا عمله وغيرها من الحكم التي لا يعلمها إلا الله.
مؤلف كتاب كاشف الأحزان ومسالح الأمان
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب، مغربي الجنسية، حصل على الدكتوراه في تخصص أصول الفقه وعمل خطيبًا وواعظًا في العديد من جوامع مدينة مكناس بالمغرب، كما ترأس العديد من المناصب للمجالس والشؤون الإسلامية.
من أبرز مؤلفاته:
جمالية الدين.
ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله.
بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق.
سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة.