المعرفة احتياج
المعرفة احتياج
تشتد قيمة الشيء للإنسان بحسب احتياجه إليه ومعرفته بقدره وتأثيره، وللإنسان حاجات متعددة نفسية كانت أو مادية يطلبها ويسعى إلى قضائها، ويقصد من يقضيها له ويعينه عليها، ولعلم الله سبحانه السابق بمن خلق شرعَ للإنسان ما يستطيع به قضاء حاجاته وتحقيق آماله، ودفع آلامه من اللجوء والركون إليه ومناجاته سبحانه بأسمائه وصفاته.
سأل بعض الصحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) يومًا فقالوا: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه، وتخيل لهفتهم للجواب وانتظارهم له يراقبون شفاه النبي (صلى الله عليه وسلم) متى تنفرج عما يروي ظمأ سؤالهم، نحن لأننا نعلم الحدث ونهاية القصة فتأثير هذا الجواب فينا بسيط بخلاف تأثيره فيهم وقتها، لذا حاول أن تتخيل حالهم يسألون عن ربهم الذي أوجدهم كيف يتصلون به، وكيف يتواصلون معه، أين هو، هل نرفع صوتنا ليسمعنا، أم نخفض صوتنا لندعو؟ تخيُّل الأحداث التي مر بها الصحابة يُشعرك بقيمة الآية حين تنزل عليهم، فأنزل الله تبارك وتعالى جوابًا يروي عطش سؤلهم، يقول تعالى: ﴿وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.
لقد كان الصحابة (رضوان الله عليهم) يسألون الله كل شيء حتى رباط النعل، لعلمهم أن الله سبحانه إن لم ييسره لم يتيسر! وهذا التعلق واليقين في الله سبحانه حصاد معرفة به، من معرفة أسمائه وصفاته وقدرته وتصرفه في ملكه سبحانه، وحصاد استقراء لآيات الله في كتابه وفي كونه، واستقراء سننه في خلقه أفرادًا وجماعات، فالطريق إلى الله سبحانه لا يُقطع بالأماني، وإنما بالعلم والمعرفة الذي ينير لسالكه طريقه.
الفكرة من كتاب كاشف الأحزان ومسالح الأمان
واهم هو من ظن أو اعتقد أن أهل الصلاح أو العلم أو الدعوة لا ينالهم من البلايا مثل ما ينال سواهم، وذلك لفضل علم عندهم أو تقوى، والحقيقة هي أن أشد الناس بلاء هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، والله إنما يبتلي العبد لحكمة ولخير إما ليعلمه وإما ليربيه أو ليفتح عينيه على ذنب كاد يهلكه، أو ليرفع درجته بهذا البلاء في الجنة درجة ما كان سيبلغها بعلمه ولا عمله وغيرها من الحكم التي لا يعلمها إلا الله.
مؤلف كتاب كاشف الأحزان ومسالح الأمان
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب، مغربي الجنسية، حصل على الدكتوراه في تخصص أصول الفقه وعمل خطيبًا وواعظًا في العديد من جوامع مدينة مكناس بالمغرب، كما ترأس العديد من المناصب للمجالس والشؤون الإسلامية.
من أبرز مؤلفاته:
جمالية الدين.
ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله.
بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق.
سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة.