لماذا تأخَّرنا وتقدم غيرنا؟!
لماذا تأخَّرنا وتقدم غيرنا؟!
طرح الكثير من المفكرين من أبناء جلدتنا هذا السؤال، وتفرَّقت بهم السُّبل، وتعدَّدت الأجوبة وتنوَّعت بتعدد الثقافات الأجنبية التي نهلوا منها، وهذا التفرُّق راجع إلى صيغة السؤال المجملة والمبهمة، حيث يُفهَم منه أن تقدمنا يجب أن يكون على نفس الوجه الذي تقدَّم به الآخرون سواء بسواء، كما لو كانت أسباب تأخرنا هي نفسها أسباب التأخر التي خرجوا منها.
ومن هنا خرج فريق يرى أن تقدُّمنا يكون من خلال قطع الصلة بالماضي والسير على خُطى الآخر وأن نستنَّ بسننه، وأن نفنى في ذوات غيرنا، بحجَّة تفوُّقه المادي الكاسح علينا، كما نجد فريقًا ثانيًا يرى أن التقدم لن يكون إلا من خلال الانتقاء من تراثنا ما يجعلنا نتشبَّه بغيرنا، فبحثوا في التراث عن نظريات تتقاطع وتلتقي مع الآخر مما أورث نوعًا آخر من التبعية، ويدعو فريق ثالث إلى الرجوع إلى المنقول عن أسلافنا، وتقليدهم تقليد الجامد على مألوفه.
وبالنظر في تلك الآراء التي تدعو إلى التقليد استلابًا أو تشبهًا أو جمودًا، نجد أن التقليد لا يُجدد عقل الأمة أو يحييها الحياة التي تليق برفعتها وشهودها، فكان لا بدَّ من إنشاء فلسفة إسلامية أصيلة تستوحي حكمتها من آي القرآن لا من فلسفة اليونان، تجعل الأصل في تجديد الأمة هو تجديد الإنسان، كما تجعل الأصل في تجديد الإنسان هو تجديد الروح وحفظ الإيمان، وتقوم على إخراج الإنسان الحديث من ورطته، وتذكره بأصله، بأنه هبة إلهية ونفخة روحية وآية ملكوتية نموذجها الإنسان الكوثر المؤيد.
الفكرة من كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
تعرضت مفاهيم تربوية كثيرة وأحكام دينية للتحريف والتحوير، حتى أصبح المُسلم المعاصر يُسلِّم بوعي أو دون وعي للمفاهيم الحداثية (العَلمانية) أو (العلموية) وغيرهما، وبناءً على ذلك يرى طه عبد الرحمن بوجوب قطع الصلة بذهنية “الإنسان الأبتر” مقطوع العطاء، معطل الإرادة، المنقطع عن تراثه ولغته ودينه، وإنشاء ذهنية “الإنسان الكوثر” كثير الخير، دائم العطاء، المتواصل مع تراثه ولغته ودينه، وذلك عن طريق تأسيس نظرية “فلسفية تربوية إسلامية” تقوم على العقل المؤيد الموصول بالشرع، والمسدد بمقاصده الشريفة، الناتجة عن تفاعل اللغة والعقيدة في عقل المسلم، واضعة نصب أعينها أن كل منقولٍ حداثي مُعترَض عليه حتَّى تُعاد صِلته بالحقيقة الدينية.
مؤلف كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي، كتب عشرات الكتب، منها: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”سؤال الأخلاق”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، وغيرها.