العوامل المباشرة في تشكيل رأي الجمهور
العوامل المباشرة في تشكيل رأي الجمهور
تتمايز العوامل التي يمكنها أن تؤثر مباشرةً في تشكيل العقل الجمعي للجمهور لا سيما في عصر الإعلام والميديا اليوم، ورغم أن بعضها قد يكون ضاربًا بجذوره في أعماق العرق البشري، فإن البعض الآخر له القدرة على إحداث أثر فوري يدهش مخيلة الجماهير، بل وقد يصدمها أحيانًا، فعلى سبيل المثال تخضع الجماهير لتأثير الصور المعبِّرة بشكل كبير عند مخاطبتها، فعندما تتلقى الجماعات خطابًا تعمد مباشرةً إلى تحويله إلى صور حتى تتصور مدى ما فيها من حسن أو قبح، وإذا تعذَّر ذلك فمن الممكن العمل على خلق تلك الصور داخل مخيلتها عن طريق العبارات والكلمات المناسبة.
فكلمات كالحرية والديمقراطية والاشتراكية وما شابهها من الكلمات المطَّاطة التي تحوي غموضًا في تعريفها، تثير في الوجدان البشري صورًا مستقلة عن معانيها تخضع لعوامل عدة، ولكنها تخلف أثرًا واضحًا لتحديد الاتجاهات النفسية تجاهها، أما إذا تم المزج بين تلك الصور والكلمات بشكل فني مناسب نكون حينئذٍ قد امتلكنا سحرًا لا يُقاوم للتحكم في إعصار الجماهير الهائجة، حيث إن تلك العبارات والشعارات أشبه ما تكون بآلهة سرية مختلجة في الصدور تنفذ إلى اللاشعور وتعمل عملها دون مقاومة تذكر.
وعلى مدار التاريخ البشري نجد أن الأمم والحضارات عادةً ما كانت تخضع لتأثير الأوهام بصورة متكرِّرة، وبغض النظر عن نوعية تلك الأوهام سواءً كانت دينية أم فلسفية أم غير ذلك، فإن ذلك مردُّه الأساسي هو حاجة تلك العقول الجائعة إلى الخيال، ولذا لا يعرف البرهان العلمي على خطئها سبيلًا إلى تقويمها، فباسم تلك الأوهام أقيمت المعابد والصروح والنصب التذكارية، بل والقلاقل والثورات الاجتماعية والحروب عبر التاريخ، وفشل كثير من جهود الفلاسفة والعلماء ممن كرَّسوا جهودهم العلمية والفكرية لدحض تلك الأوهام وتدمير تلك الخرافات المسيطرة على أدمغة الشعوب.
الفكرة من كتاب سيكولوجية الجماهير
“إن الأسياد المتوارين الذين يسيطرون على أرواحنا يقاومون أي محاولة للإطاحة بهم، ولا يستسلمون فقط إلا للاستهلاك البطيء الذي يتم عبر القرون”.
تعدُّ الجماهير أشبه ما تكون بسيل منهمر يستحيل الوقوف في طريقه، ولكن من الممكن ترويضه والاستفادة من قوته الغاشمة، وعلى ذلك فمن يستطِع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية في توجيه الشعوب والجماهير فقد امتلك بذلك مصاير الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك الموروثات من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام، وهذا ما يحاول المؤلف سرده في هذا السِّفر العظيم.
مؤلف كتاب سيكولوجية الجماهير
غوستاف لوبون : طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، وقد درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي، وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، وقد تُوفِّيَ في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من مؤلفاته: “حضارة العرب”، و”روح الثورات والثورة الفرنسية”، و”روح الجماعات”، و”السنن النفسية لتطور الأمم”، و”روح الاجتماع”.
معلومات عن المترجم:
هاشم صالح: كاتب ومفكر ومترجم سوري، وُلد في العام 1950، أنهى مرحلة دبلوم الدراسات العليا بجامعة دمشق كلية الآداب، وعمل بعدها معيدًا في كلية الآداب جامعة حلب بسوريا، ونال منحة دراسية لدرجة الدكتوراه إلى جامعة السوربون، كما ناقش رسالة الدكتوراه عام 1982 عن الأدب والنقد الأدبي العربي، وله العديد من المؤلفات منها: “مدخل إلى التنوير الأوروبي”، و”الانسداد التاريخي”.