القانون النفسي للجمهور
القانون النفسي للجمهور
يطلق مصطلح الجمهور في العادة على مجرد تكتُّل عدد من الأفراد وتجمُّعهم دون النظر إلى أي شيء آخر، أما من الناحية النفسية فكلمة جمهور تعني تلك الشخصية العابرة المتولِّدة من الاتحاد النفسي لشخصيات الأفراد المكونة للتكتُّل وما ينشأ عنها من عقل جمعي موجَّه إلى الجماعات، وهذا يستدعي وجود رابط بين هؤلاء الأفراد أفضى بهم إلى الاجتماع، ومن ثمَّ أدَّى إلى ذوبان شخصياتهم طواعيةً وتوجيه المشاعر والأفكار صوب هدف عام مشترك بينهم، فالصدفة لا تنشئ جمهورًا من الناحية النفسية حيث لا روابط ولا انفعالات مشتركة.
وإذا كانت الجماعات تتمايز فيما بينها وفقًا لعوامل عدة كالعرق والجنس والدين والمصالح المشتركة وقوة الروابط وضعفها، فإن هناك بعض السمات والخصائص مشتركة بصورة أو بأخرى بينهم، فالجماعات تخضع لقانون الوحدة النفسية وتتولَّد لديها روح جماعية مشتركة تجعل صفات الفرد المنعزل تتباين كثيرًا عن صفاته وهو منخرط في سلك جمهور معين، كما أن بعض البواعث اللاواعية والغرائز المكبوتة في حالة الجمهور النفسي تكتسب من الاجتماع شعورًا عارمًا بالقوة والتحريض يدفعها للظهور، فضلًا عن العدوى النفسية للأفكار والمشاعر التي تنشأ بين الأفراد بعضهم وبعض.
وتلك الغرائز المخبوءة هي مفتاح لغز الجماهير، فهي تنساق خلف من يعزف على أوتار مشاعرها بكلماته المسكرة أو من يدغدغ عاطفتها بمعسول الكلام، وهذا الشيوع من السمات يفسِّر ما تفعله الكثير من الجماعات النفسية المختلفة، فالأحزاب السياسية والمجالس البرلمانية والنقابات، بل وهيئات التحكيم النيابية والجماهير الانتخابية كذلك قد تتبنى بعض القرارات ربما كان سيخالفها أعضاؤها إذا كانوا منفردين! ما يجعل الجمهور مغفلًا في كثير من الأحيان وغير مسؤول في قراراته، فكل شيء يعتمد في الأساس على الطريقة التي تتم بها مخاطبته لا على فحوى الخطاب في حد ذاته.
الفكرة من كتاب سيكولوجية الجماهير
“إن الأسياد المتوارين الذين يسيطرون على أرواحنا يقاومون أي محاولة للإطاحة بهم، ولا يستسلمون فقط إلا للاستهلاك البطيء الذي يتم عبر القرون”.
تعدُّ الجماهير أشبه ما تكون بسيل منهمر يستحيل الوقوف في طريقه، ولكن من الممكن ترويضه والاستفادة من قوته الغاشمة، وعلى ذلك فمن يستطِع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية في توجيه الشعوب والجماهير فقد امتلك بذلك مصاير الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك الموروثات من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام، وهذا ما يحاول المؤلف سرده في هذا السِّفر العظيم.
مؤلف كتاب سيكولوجية الجماهير
غوستاف لوبون : طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، وقد درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي، وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، وقد تُوفِّيَ في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من مؤلفاته: “حضارة العرب”، و”روح الثورات والثورة الفرنسية”، و”روح الجماعات”، و”السنن النفسية لتطور الأمم”، و”روح الاجتماع”.
معلومات عن المترجم:
هاشم صالح: كاتب ومفكر ومترجم سوري، وُلد في العام 1950، أنهى مرحلة دبلوم الدراسات العليا بجامعة دمشق كلية الآداب، وعمل بعدها معيدًا في كلية الآداب جامعة حلب بسوريا، ونال منحة دراسية لدرجة الدكتوراه إلى جامعة السوربون، كما ناقش رسالة الدكتوراه عام 1982 عن الأدب والنقد الأدبي العربي، وله العديد من المؤلفات منها: “مدخل إلى التنوير الأوروبي”، و”الانسداد التاريخي”.