الموضة وتقديس الجديد
الموضة وتقديس الجديد
يقوم نظام الموضة على ارتباط وثيق بين منطقين أساسيين؛ الأول: (منطق الزوال)، والثاني (منطق الفانتازيا التجميلية)، وهذا الارتباط لم ينشأ ويعرف إلا مرة واحدة طوال التاريخ، وذلك عند بزوغ نجم المجتمعات المدنية الحديثة، وبالتالي عندما نتأمَّل ما كان في عصر الإمبراطورية الرومانية، فإننا نكتشف أن الفانتازيا التجميلية الموجودة آنذاك لم تكن منفصلة عن العادات والتقاليد، بل كانت تابعة لها، فهي لم تُحدث أي تغيير على الزي الرجالي التقليدي، كما أنها لم تتجاوز الاستخدام المحدود لمساحيق التجميل بالنسبة للنساء، فالفانتازيا كانت دائمًا في مرتبة ثانوية بالمقارنة بمجمل الزي، وكانت دائمًا تحترم وتخضع للعُرف والسياق العام ولا تتجاوزه، بينما الفانتازيا التجميلية في العصر الحديث نجد فيها “الغواية والعروض الباهرة، مع إفراط في الزخارف والحواشي، وهيئات مبالغ فيها وشاذة ومثيرة للسخرية” كفتحات البنطال البارزة والتنورات النسائية المنتفخة وتسريحات الشعر المرتفعة، فهذه الموجات المنحرفة من صيحات الموضة أصبحت شيئًا أساسيًّا لا ثانويًّا لنظام مستقر لا يحترم السياق العام الذي تعرفه العادات والتقاليد.
فخلال الفترة ما بين القرن الرابع عشر والثامن عشر كانت الموضة الذكورية صاحبة النصيب الأكبر وكانت الغلبة لها على الموضة النسائية، لكن بمجيء القرن التاسع عشر غرُبت شمس الموضة الذكورية أمام الموضة النسائية، وأصبحت منذ ذلك الوقت امتيازًا نسائيًّا، حيث صارت قواعد الأناقة والمظهر بالنسبة للذكور تتسم بالرصانة والاعتدال ونبذ الألوان والزينة، وإلى جانب ذلك فإن الموضة لم تتوقَّف منذ نشأتها عن إثارة النقد والاصطدام المباشر مع المعايير الجمالية والاجتماعية والأخلاقية والدينية، والسبب في ذلك راجع إلى أشكال الزي التي تعتبر غير محتشمة وفاضحة ومثيرة للسخرية.
وبالنظر إلى الموضة خلال عصور ما قبل الحداثة سنجد أنها كانت هدفًا للسخرية والاستهزاء من الجميع، فقد كانت السخرية تستخدم كنوع من أنواع محاربة التفاهة ومساحيق التجميل والحيل الخفية أسفل الزي، كما أنه في الوقت الذي اعتبرت فيه الموضة في نظر المتأنقين شيئًا ساميًا فإنها كانت في نظر الأخلاقيين شيئًا مُشينًا لا ينبغي الاقتراب منه وبالنسبة للرجال الشرفاء مثيرة للسخرية والتفاهة الإنسانية، وعلى كل حال فإن الموضة روَّجت للعديد من المُتع “كمتعة الرؤية ومتعة أن يكون المرء محطًّا للمشاهدة، وأن يعرض نفسه أمام أنظار الآخرين”، كما عملت كذلك على إضفاء الفردانية النرجسية على الذات إلى جانب استخدامها كأداة “من أجل توسيع التقديس الجمالي للإناث، وجعل الظاهر هو مبتغى الحياة”.
الفكرة من كتاب مملكة الموضة زوال متجدِّد.. الموضة ومصيرها في المجتمعات الغربية
ظلَّت الموضة خلال مراحل التاريخ المختلفة تابعة للعادات ولا تخرج عليها، وبالتالي بقيت الأزياء في الحضارات المختلفة في حالة استقرار لا يأتي عليها جديد، إلى أن جاءت المدنية الغربية وعصر الحداثة لتنقلب الموضة على كل ما هو قديم منكرة للماضي ومتمرِّدة على التقاليد في مقابل احتفاءها بالحاضر، ومن هنا يبحث المؤلف من خلال كتابه هذا نشأة الموضة كونها ظاهرة قصيرة الأجل ومتناقضة، إلى جانب بحثه في أسباب هذا السيل الجارف من الأزياء وانتشار الملابس الرياضية وثقافة الجينز في سياق فكري وفلسفي.
مؤلف كتاب مملكة الموضة زوال متجدِّد.. الموضة ومصيرها في المجتمعات الغربية
جيل ليبوفتسكي ، هو فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، اشتهر بنقده للحداثة وما بعد الحداثة، وله العديد من المؤلفات في ذلك، ومنها: “المرأة الثالثة”، و”الترف الخالد”، و”عصر الفراغ.. الفردانية المعاصرة وتحوُّلات ما بعد الحداثة”.
معلومات عن المترجمة:
دينا مندور، مترجمة وباحثة مصرية، حاصلة على درجة الماجستير في “إشكاليات الترجمة” من جامعة إكس مارسيليا في فرنسا، كما أنها عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، لها العديد من الترجمات، منها: “مملكة الموضة”، و”المرأة الثالثة”، وغيرهما.