الثبات والاستقرار سمة أساسية طوال التاريخ الإنساني
الثبات والاستقرار سمة أساسية طوال التاريخ الإنساني
تعدُّ الموضة وليدة الحداثة الغربية، وبالتالي لم تكن الموضة ثقافة سائدة في كل العصور والحضارات، وبناءً على ذلك لم يكن هناك تقديس للموضة عند الحضارات والأمم في العصور الماضية، وبالتحديد حتى نهاية العصور الوسطى، فتاريخ ميلاد الموضة يبدأ من عصر النهضة عندما أصبح التغيير والتجديد المستمر في الشكل من القيم الحضارية، وبالتالي اتخذت الطبقة الراقية في أوروبا من الموضة قاعدة أساسية لها، إذ إن الموضة لا تتوقَّف عند حد التغيير المستمر في الأزياء والعناية المفرطة بالمظهر وحسب، بل تغلغلت في كل شيء حتى أثرت في قطاعات كثيرة وذلك بنسب متفاوتة، مثل: موضة “الأثاث، والديكور، واللغة، وطرق المعيشة، والأذواق، وحتى الأفكار، وغيرها”، ورغم تغلغُل الموضة في القطاعات السالف ذكرها، فإن موضة الأزياء والمظهر ظلَّت تحتل المكانة الأولى بينها كونها محط الأنظار والاهتمام والتعليقات، والطريقة الأكثر شهرة في التعبير عن التغيير والتجديد.
لم تعرف المجتمعات المختلفة خلال تاريخ الإنسانية الطويل مثل هذا النوع من الموضة المتجدِّدة الزائلة، حيث كانت تتميَّز تلك المجتمعات بالثبات في كل شيء، والتكرار المستمر للنماذج الموروثة عن الأسلاف، باستثناء ارتداء بعض الأزياء المتعلقة بالطقوس والاحتفالات، وبالتالي لم يكن لديهم أي ميول للبحث عن أي تأثيرات جمالية على الرغم من التنوع في أنماط التزيُّن والحُلي والتسريحات، فإنها تظل ثابتة ومحكومة وفق العادات والتقاليد، وخاضعة لقواعد ومعايير لا تتغيَّر من جيل إلى جيل، فالمجتمع البدائي كان مجتمعًا محافظًا يحترم الماضي الجماعي ويعيد إنتاجه بحرص وعناية، ما أدَّى إلى منع ظهور الموضة، كونها -أي الموضة- تتعارض مع الموروثات إلى جانب عدم تقديرها للقديم، كما أنها تحرص على المقاطعة الاجتماعية والشعور بالتفوُّق المرتبط بالنماذج الجديدة التي تنتجها بهدف البحث عن التفرُّد والاستقلالية في مقابل المعايير الجماعية.
كما أن الموضة لم تعرف لها طريقًا منذ ظهور نظام الدولة والتقسيم الطبقي، فعلى سبيل المثال: “ظل التونيك هو رداء الرجال والنساء في مصر القديمة بشكل يكاد يكون مطلقًا لمدة خمسة عشر قرنًا من الزمان”، وظلَّ هذا الاستقرار والثبات في الأزياء والمظهر في جميع الحضارات الشرقية كالهند والصين والحضارات الغربية اليونانية والرومانية، كما ظل الزي النسائي في الصين كما هو لم يصبه أي تغيير حتى القرن التاسع عشر، وبالتالي كان مبدأ الثبات يتغلَّب على مبدأ التغيير، حتى عندما ظهرت مجتمعات أقل محافظة فإنها لم تقترب من حدِّ الموضة المنهجية التي تقدِّس التغيير وعدم الثبات والتقلُّبات المتعاقبة التي تتصف باللا استمرارية.
الفكرة من كتاب مملكة الموضة زوال متجدِّد.. الموضة ومصيرها في المجتمعات الغربية
ظلَّت الموضة خلال مراحل التاريخ المختلفة تابعة للعادات ولا تخرج عليها، وبالتالي بقيت الأزياء في الحضارات المختلفة في حالة استقرار لا يأتي عليها جديد، إلى أن جاءت المدنية الغربية وعصر الحداثة لتنقلب الموضة على كل ما هو قديم منكرة للماضي ومتمرِّدة على التقاليد في مقابل احتفاءها بالحاضر، ومن هنا يبحث المؤلف من خلال كتابه هذا نشأة الموضة كونها ظاهرة قصيرة الأجل ومتناقضة، إلى جانب بحثه في أسباب هذا السيل الجارف من الأزياء وانتشار الملابس الرياضية وثقافة الجينز في سياق فكري وفلسفي.
مؤلف كتاب مملكة الموضة زوال متجدِّد.. الموضة ومصيرها في المجتمعات الغربية
جيل ليبوفتسكي ، هو فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، اشتهر بنقده للحداثة وما بعد الحداثة، وله العديد من المؤلفات في ذلك، ومنها: “المرأة الثالثة”، و”الترف الخالد”، و”عصر الفراغ.. الفردانية المعاصرة وتحوُّلات ما بعد الحداثة”.
معلومات عن المترجمة:
دينا مندور، مترجمة وباحثة مصرية، حاصلة على درجة الماجستير في “إشكاليات الترجمة” من جامعة إكس مارسيليا في فرنسا، كما أنها عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، لها العديد من الترجمات، منها: “مملكة الموضة”، و”المرأة الثالثة”، وغيرهما.