الكولونيالية والمشروع الصهيوني
الكولونيالية والمشروع الصهيوني
إن أول ظهور للمشروع الصهيوني على السطح وأمام أعين الجميع كان في مؤتمر “بال” الذي عقد في مدينة “بازل” في سويسرا بقيادة “تيودور هرتزل” عام 1897، وفي ذلك الوقت كانت الدول الاستعمارية الغربية في حالة تنافس فيما بينها أدت في النهاية إلى نشوب الحرب العالمية الأولى، ولم تكن الصهيونية غائبة عن هذا التنافس الاستعماري وسعيها الحثيث من أجل الحصول على حصة لها من الغنائم، وبالتالي فإن المشروع الصهيوني هو وليد الحقبة الاستعمارية الغربية.
وبناءً على ذلك قامت الصهيونية بالاستفادة من الأفكار والأساليب والأدوات الكولونيالية -الاستيطانية- الغربية التي نفَّذتها الدول الأوروبية في الدول التي احتلتها وتعرضت لغزوها البشري والعسكري، فنجد أن “دافيد بن جوريون” -وهو أحد أبرز الزعماء الصهاينة وأول رئيس حكومة بعد إعلان دولة إسرائيل- يقارن في مقالة له نشرت عام 1917 بين جهود المحتل الصهيوني وما فعله الأوروبيون في أمريكا حيث حارب الأوروبيون الهنود الحُمر وقضوا عليهم، فبن جوريون كان يرى إبادة الفلسطينيين على شاكلة إبادة الأوروبيين للهنود للحُمر في أمريكا، بينما نجد أن “حاييم وايزمن” وهو أول رئيس لإسرائيل بعد قيامها كان يرى الأخذ بالنموذج الفرنسي المتمثل في تونس والجزائر والنموذج البريطاني المتمثل في أستراليا وجنوب أفريقيا، ففي الحالة الجزائرية هاجر آلاف الفرنسيين إلى الجزائر واستوطنوها مستخدمين العنف والقوة المسلحة ضد الجزائريين، ما ترتب عليه استشهاد أكثر من مليون ونصف مليون جزائري كنوع من الإبادة الجماعية إلى جانب محاولة إحلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية.
وكان الصهاينة دائمًا خلال سعيهم للحصول على حصتهم من الغنائم الاستعمارية يعملون على مرضاة الدول الاستعمارية الكبرى من خلال التنبيه على أن حصتهم من الغنائم لن تكون على حساب الدول الاستعمارية، فنجد هيرتزل يقول: “سوف نشكِّل هناك جزءًا من متراس لأوروبا ضد آسيا، ومخفرًا أماميًّا للحضارة في مواجهة البربر، وسوف نظل كدولة على تواصل مع أوروبا التي عليها أن تتكفَّل بالحفاظ على وجودنا”.
الفكرة من كتاب الجريمة المقدسة.. الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني
إن ما يعانيه الشعب الفلسطيني على يد الكيان الصهيوني ليس مجرد قتل عادي أو عشوائي، بل هو بمثابة قتل ممنهج مخطط له، والهدف من ورائه إلى تحقيق إبادة جماعية للشعب الفلسطيني من أجل تثبيت أركان المشروع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، ويعتمد المحتل الصهيوني في تطبيقه العلمي للإبادة الجماعية والتطهير العرقي على الكولونيالية الاستيطانية إلى جانب القصص والنصوص الواردة في الكتاب العبري “التوراة”.
مؤلف كتاب الجريمة المقدسة.. الإبادة الجماعية من أيديولوجيا الكتاب العبري إلى المشروع الصهيوني
عصام سخنيني، هو أستاذ التاريخ في جامعة البترا الأردنية ونائب المدير العام لمركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت بين عامي 1971 و1978، وله العديد من المؤلفات التاريخية، منها: “فلسطين والفلسطينيون”، و”تهافت التاريخ التوراتي”، و”القدس.. تاريخ مختطف وآثار مزورة”، و”عهد إلياء والشروط العُمرية”، و”الإسرائيليات”.