الإقناع أدبًا
الإقناع أدبًا
ارتبطت الخطابة بوجود الإنسان ورقيه وكانت وسيلته السلمية في نزاعات حياته، ونحن نعرفها منذ أن عرفنا التاريخ، فانظر مثلًا إلى الخطب المدوَّنة في آثار المصريين والآشوريين، ولم تستغنِ أمة من الأمم عن الخطابة، بل كانت وسيلة لتربية النفس وتشجيعها على القتال، وأداة الدعوة إلى الرأي والعقيدة، وهي أداة الأحزاب والوعاظ وخطباء المساجد والكنائس، والخطبة الجيدة كما يعرِّفها الكتَّاب هي التي ترتكز على إقناع السامعين بالرأي الذي يدعو إليه الخطيب، واستمالة السامعين للعمل بمقتضى ما يدعو إليه.
إن ازدهار الخطابة أو انحطاطها يرجع إلى حظ الأمة من الحرية في الفكر والحرية في القول، وإدراكها لمدى سوء وضعها وأنها بحاجة إلى قفزة في سباق الحضارات، والمتتبِّع لتاريخ اليونان والرومان والعرب وحتى الغربيين يجد هذه المعادلة مُحقَّقة في شأن الخطابة، وتعدُّ الخطب السياسية، والقضائية، والدينية، وخطب المحافل هي أشهر أنواع الخطب، أما عن أسلوب الخطابة فلا شك يختلف أسلوب كل إنسان عن الآخر، ولكن يحسن بالخطيب أن يرقى بأسلوبه مع الحفاظ على شخصيته.
ولما جاء الإسلام انتعشت الخطب الدينية نظرًا إلى الصراع الذي كان بين الأديان والوثنية، فكثرت خطب الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الدعوة إلى الدين والردُّ على المخالفين، بل كان للإسلام الإسهام الأكبر في رقي الخطابة عند العرب بما شرعه من خطبة الجمعة والعيدين وفي الحج، ويؤكد المؤلفون أن العرب بطبيعتهم من خير الأمم استعدادًا للإجادة في الخطابة، ولكن كحال غيرهم من الأمم تسري عليهم القواعد المذكورة سابقًا لانتعاش الخطابة.
أما في العصر الحديث فازدهرت الخطابة في الغرب ازدهارًا عظيمًا بفضل الحياة الديمقراطية وتعدُّديتها، واحتكاك الأمم والشعوب بعضها ببعض، ولما شعرت شعوب الشرق بسوء أحوالهم فانتفض خطباء السياسة والإصلاح الاجتماعي من أمثال: عبد الله النديم، ومصطفى كامل، وسعد زغلول، وغيرهم.
الفكرة من كتاب التوجيه الأدبي
من اليسير علينا أن نقرأ عملًا أدبيًّا خالصًا، ولكن الأعمال الأدبية لا تقدِّم لنا تعريفًا لما هو الأدب، ولا تُعرِّفنا بتاريخه وعوامل نشأته ومراحل تطوُّره، فما الأدب؟ وما موضوعاته؟ وما علاقته بالعلوم الأخرى كالفلسفة والتاريخ؟ وبمَ يتأثَّر الأدب وفيمَ يؤثِّر؟ وكيف اتصلت الآداب بعضها ببعض؟ يُعد “التوجيه الأدبي” مدخلًا للإجابة على كل هذه التساؤلات ووجبة معرفية في الأدب والدراسات الأدبية، ومادة ثرية للمثقف العربي وطالب الأدب على حدٍّ سواء.
مؤلف كتاب التوجيه الأدبي
طه حسين: أديب ومفكر وناقد مصري، وُلد في نوفمبر ١٨٨٩م وحصل على درجة الدكتوراه عام ١٩١٤م، ومن آثاره: “الأيام”، و”مرآة الإسلام”، و”حديث الأربعاء”، و”قادة الفكر”، و”دعاء الكروان”.
أحمد أمين: أديب مفكر ومؤرخ، وُلد بالقاهرة 1886م، وعمِل عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ومن أشهر مؤلفاته: “فجر الإسلام”، و”فيض الخاطر”، وترجم كتاب “مبادئ الفلسفة” لرابوبرت.
عبد الوهاب عزام: أديب ودبلوماسي مفكِّر، جمع بين ثقافته الإسلامية والعربية ومعرفته باللغات الفارسية والتركية والأُردية، ودافع عن العربية وتراثها، وكان ميلاده سنة ١٨٩٤م لأسرة مناضلة ضد الاحتلال الإنجليزي، وحصل على شهادة الليسانس في الآداب والفلسفة عام ١٩٢٣م وتولَّى عمادة كلية الآداب، ومن مؤلفاته: “الشوارد”.
محمد عوض محمد: عالم جغرافي وأديب، نال جائزة الدولة للعلوم الاجتماعية عام ١٩٥٢م، وعمل مديرًا لجامعة الإسكندرية، ومن كتبه: “بين الشرق والغرب”، و”فن المقالة الأدبية”، وترجم بعض أعمال شكسبير.