حرب الخليج وسقوط الأقنعة
حرب الخليج وسقوط الأقنعة
كان إجبار العراق على الخروج سلميًّا من الكويت أشبه بكارثة على المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة، فهذه الحرب وإن بدت أنها جاءت لتحرير دولة الكويت إلا أنها في طياتها كانت مقدمة لمصفوفة من المصالح وتقوية النفوذ الأمريكي في المنطقة، فبعد تحلل الاتحاد السوفيتي وخروجه من ميدان التنافس الدولي كان العراق بما يملك من إمكانياته وموارده النفطية قاب قوسين أو أدنى من الاستقلال الوطني، وهذا ما لم يعجب العم سام وقتها!
لا سيما مع اتجاه العراق وقتها إلى تسخير موارده للعمل على ردم الهوة التكنولوجية بينه وبين الغرب وقتها، ولا ننسى بالطبع أن الآلة العسكرية للبلاد تعاظمت في ذلك الوقت، وباتت تشكِّل تهديدًا حقيقيًّا لربيبة أمريكا في المنطقة إسرائيل المدللة، وإذا أضفنا البعد الحضاري والإرث الثقافي إلى دولة بحجم العراق يصبح الأمر تهديدًا مباشرًا لمنظومة القيم الغربية، والتي يراد نشرها في المنطقة بعد إعادة نسج خيوط التبعية من جديد، لتنتقل أطرافها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها القطب الأوحد للعالم.
وكانت الحروب والثورات نوعًا من اختبار المفاجآت، فلا شيء أقدر على قلب الدول مثلهما، لذلك تظل تلك الوقائع وغيرها منارات مهمة في التاريخ توضح بجلاء اختلال المعايير لدى الغرب في نظرته إلى الدول الأخرى، لا سيما منطقة الشرق الأوسط، ولعل حركة التاريخ -إن تمت دراستها كما ينبغي- قد تسهم في الاعتماد عليها لاستشراف المستقبل والخلوص إلى رؤية واضحة المعالم في العلاقات الدولية مع تضمن الحفاظ على الأنموذج الاجتماعي الذي تطمح إليه الشعوب، والهروب من سياسة التجزئة وخطط التقسيم التي تراد للمنطقة، لا سيما بعد غياب التوازن السوفيتي الأمريكي الذي كان يحكم العالم في الحقبة السابقة، مما أفسح المجال لأمريكا للتوسُّع الحضاري والهيمنة الثقافية على الثقافات الأخرى.
الفكرة من كتاب الحرب الحضارية الأولى
يتلقف العالمَ اليوم الكثير من التجاذبات والصراعات، كما يعج كذلك بالعديد من التحليلات ما بين معسكر متفائل هنا وآخر متشائم هناك، لذا يسعى هذا الكتاب إلى العودة قليلًا إلى الوراء لسبر أغوار الماضي، ومحاولة تجاوز حتمية الاصطفاف بين أحد المعسكرين، واتخاذ موقف انتقائي لتوصيف مثالب هذا النظام العالمي القائم على هيمنة الحضارات وصراعها مع بعضها بعضًا.
مؤلف كتاب الحرب الحضارية الأولى
د. المهدي محمد المنجرة: اقتصادي وعالم اجتماع مغربي مختص في الدراسات المستقبلية، يعدُّ أحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية، وُلد في الـ13 من مارس عام 1933م في الرباط في المغرب، التحق بجامعة كورنيل الأمريكية وتخصص في البيولوجيا والكيمياء، وفي عام 1954 واصل دراسته العليا بكلية لندن للاقتصاد للحصول على درجة الدكتوراه، وبعد عودته إلى المغرب عُين محاضرًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المحلية والدولية، كما التحق بالعديد من المنظمات الدولية كاليونسكو والاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية، وحصل خلال مسيرته على جوائز عالمية منها جائزة الأدب الفرنسي من جامعة كورنيل، ووسام الاستقلال من الأردن، توفي في الـ13 من يونيو من عام 2014.
من أبرز مؤلفاته: “نظام الأمم المتحدة”، و”من المهد إلى اللحد”، و”القدس العربي”.