التعليم المنزلي.. مقدمة للأناركية أم محاولة للاستقلالية
التعليم المنزلي.. مقدمة للأناركية أم محاولة للاستقلالية
عرَّفت الكاتبة التعليم المنزلي بأنه “نمط تربوي بديل للتعليم الرسمي ما قبل الجامعي؛ بحيث يتلقَّى تعليمه في المنزل دون جهات مؤسسية مع اختلاف صفة المعلم ومصادر التعلم عن المتعارف عليه في النظام التربوي الحالي”.
إن التعليم المنزلي كان هو الأساس والأصل بمقابل التعليم الإلزامي، فلم يكن الأخير إلا استثناءً في الدول الغربية قبل بداية العصر الاستعماري لأوروبا والولايات المتحدة، لكن مع بداية القرن التاسع عشر بدأ الاعتماد على التعليم الإلزامي بوصفه مجالًا أساسيًّا في عملية التعليم بعد صدور تشريعات وقوانين مختلفة، إلى أن أصبح في القرن العشرين هو الأصل ولا شيء غيره، ويعاقب من يفعل غير ذلك.
“معرفة ميتة وانفصال عن الواقع”، ذلك هو ما وصف به الناقد الاجتماعي الأمريكي جودمان المدارس الإلزامية، حيث يرى أن المعرفة والانفصال نتائج طبيعية لتلك المؤسسات عديمة الثقة، وهو ما دعم أفكار حركات تربوية مختلفة، وأبرزها حركة اللامدرسية التي تدعو إلى نبذ السيطرة التي تقوم بها المؤسسات التابعة للدولة، من خلال الأفكار التي تصدرها إلى مريدي ذلك النظام، بحيث يصبح بذلك دورها الأساسي هو إنتاج “حراس على أبواب مجتمعات طبقية”، والحل بذلك هو استعادة التعليم المنزلي لدوره السابق، وامتلاك لجام الأمر مرة أخرى، بل إنه يجب أن يكون الأصل، وألا تكون هناك مساحة لتلك المؤسسات المصطنعة.
وهنا يأتي السؤال: هل بذلك تأتي فلسفة تلك الحركات الداعية إلى التعليم المنزلي نحو التخلُّص من السيطرة المستحدثة للدولة على مقدَّرات الأمور والاتجاه إلى عصر أناركي تعاوني، وهو العصر الذي تنبأ به عدد من المفكرين مثل كارل ماركس ومن تابعه، ويهدف من خلاله إلى انعدام السلطة وتوزيعها بين الناس بشكل تعاوني، وهو ما أشارت الكاتبة إليه بالفعل.
وقد تكون مجرد محاولة لتطوير التعليم عن طريق إضفاء طابع من الاستقلالية إلى العملية التعليمية يهدف إلى إنشاء مجال مشترك بين المجتمع والدولة يمنح المجتمع من خلاله أدوارًا كانت له بالأساس، وهي في نفس الوقت ترفع بعض الحمل عن كاهل الدولة؛ وذلك باسترجاع ما كان لها وصرف همَّ الأخير إلى ما أنشئت بشكل كبير له وهو الدفاع والأمن، وهو مفهوم الدولة الحارسة الذي أطلقه عليه عدد من المفكرين الليبراليين.
الفكرة من كتاب مصر بلا مدارس
مع تفشِّي عدد كبير من المشكلات بالنظام التربوي داخل مصر وآخرها الدروس الخصوصية والسياسات الحكومية المتعلقة بالمجال التعليمي بالعموم، كان لزامًا على الباحثين، كجزء من مهامهم الرئيسة، أن يبحثوا إما عن حلول للنظام القائم وإما عن بدائل تساعدهم أو يستبدلونها بالكلية، ومن هنا طرحت المؤلفة هذا الكتاب بهدف إبراز المشكلات المتعلقة بالنظام التربوي المعاصر داخل مصر، وإبراز نموذج بديل ذاع صيته في عدد كبير من الدول، ألا وهو “نظام التعليم المنزلي”، وتهدف من خلاله المؤلفة أن يكون التعليم المنزلي عاملًا مساعدًا على دعم النظام الحالي.
مؤلف كتاب مصر بلا مدارس
وفاء رفعت البسيوني: باحثة تربوية حصلت على الماجستير من معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة عن كتابها “مصر بلا مدارس”، وهي محاضرة دولية ومستشارة تربوية بدولة الإمارات العربية المتحدة، لها مؤلف آخر بجانب المؤلف المزمع عرضه، وهو كتاب “المعلم المتمرد”، ويتعلق بذات المجال من الناحية التربوية.