تخنيث الرعية
تخنيث الرعية
إن المعارف والعقائد من أهم ما يزكي قيمة الحرية في الإنسان، لذا تجد الطغاة بلادهم خاوية من العلم والعلماء والمعارف الحقيقية، لا يطلبونها ولا يفتحون للناس بابًا لها ليقوى سلطانهم بجهل الرعية.
ومن حيل الطغاة إلى جانب كسر بأس الناس وتجهيلهم هو إغراقهم بالملهيات كما فعل كسرى بالليديين حين علم أنهم ثاروا عليه وكان بإمكانه إخضاعهم بالقوة، إلا أنه آثر الحفاظ على مدينتهم الجميلة وعدم تحمل تكلفة بقاء جنوده فيها، فما كان منه إلا أن أمر بفتح بيوت الدعارة والحانات والملاهي للألعاب الشعبية!
والبشر من طبعهم أنهم يرتابون فيمن يقدِّم لهم الخير ويتربصون له، بينما ينساقون وراء من يخدعهم، فالمسارح والألعاب والمساخر كلها من الملهيات التي عمد إليها الطغاة من قديم الزمن في سبيل تخنيث الشعوب وترويضها، بالإضافة إلى الولائم الضخمة التي كانت تبهر الناس فيملأون بطونهم بسعادة ورضا ناسين أن الطغاة لم يمنحوهم إلا ما جردوهم منه من قبل، وهكذا استعبد الطغاة شعوبهم باللذة حتى ترى الناس بعد موت نيرون الذي عُرِف بقسوته ووحشيته يحزنون عليه، ويتذكرون ولائمه والألعاب التي كان يقيمها حتى كادوا يقيمون الحداد على من بطش بهم. ومثله يوليوس قيصر الذي تم تكريمه بعد موته وإقامة نصب تذكاري له مكتوب عليه “إلى أبي الشعب” من بعد أن كان قد ألغى القوانين والحريات!
الفكرة من كتاب مقالة في العبودية المختارة
كيف تحمَّل الناس الخضوع لطغيان الملوك وتسليم رقابهم إليهم، كيف لواحد من البشر أن يذل مئات الآلاف دون أن يقدروا عليه، وهل كنا لنصدق مثل هذا ما لم نكن شهدناه بأعيننا؟
يحاول الكاتب الوصول إلى إجابات أسئلته وبحث أسباب استكانة الشعوب للطغاة، والحيل التي يمارسها الطغاة لفرض سلطانهم على عوام الناس، مستعينًا بمشاهداته وقراءاته التاريخية من خلال المقالة التي كتبها في بدايات شبابه ولم تُنشَر إلا بعد موته.
مؤلف كتاب مقالة في العبودية المختارة
إتيان دو لابويسي Étienne de La Boétie: كاتب وشاعر وقاضٍ فرنسي، ولد عام 1530 في مدينة سالارت، نشأ في عائلة من القضاة، درس الإنسانيات، والنصوص القديمة، ثم حصل على شهادة الحقوق في جامعة أورليان، وعُيِّن مستشارًا في البرلمان بقرار من الملك هنري الثاني وهو في الثالثة والعشرين قبل عامين من بلوغه السن القانونية لهذا المنصب، توفي عام 1563 وهو في الثانية والثلاثين إثر مرضه.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
The will to bondage
Discours de la servitude volontaire