السيدة المفصولة عن الجسد
السيدة المفصولة عن الجسد
رفيقتنا كريستينا، السيدة المفصولة عن جسدها، وحالتها المرضية اعتلال الأعصاب المتعددة، وهو مرض يصيب الأعصاب الطرفية تقريبًا في نفس المناطق على جانبي الجسم، ويضم الضعف والألم.
كان كل شيء على ما يرام مع السيدة “كريستينا”، وهي أم تتميَّز بالحيوية صاحبة السبع والعشرين عامًا، حتى تقرَّر إجراء عملية لها من أجل إزالة الحويصلة الصفراوية، قبل العملية بساعات شعرت أنها لا تحسُّ بقدميها، وأبدت اضطرابًا واضحًا في الإمساك بالأشياء، ظنَّ الأطباء في البداية أنها مجرد هستيريا سابقة للعملية تعكس خوفها منها إلى أن تبيَّن عكس ذلك.
أدى مرض كريستينا إلى فقدها إلى ما يسمى “الاستنباه الذاتي”، وهو مثل عيني الجسم، أي الطريقة التي يرى فيها الجسم نفسه وعندما يُفقد، فالأمر يبدو كما لو كان الجسم أعمى، فلا يستطيع الجسم أن يرى نفسه إذا فقد عينيه.
نجحت المريضة في تطوير طرق أخرى للتكيُّف مع جسدها، عن طريق استعمال الحواس والحيل، وكان كل ذلك يستلزم انتباهًا وتركيزًا كبيرين، وإلا ستفقد توازنها ولكن المؤلم حقًّا في هذه القصة هو الافتقار إلى الدعم الاجتماعي والتعاطف، فهي لا تتلقى سوى زمجرات غاضبة وغير متفهَّمة فيصيح الناس: “ما خطبك يا سيدة؟ هل أنتِ عمياء أو مخمورة؟”، ولا يكون بوسعها سوى أن تجيب: “ليس لديَّ استنباه ذاتي!”
إن كريستينا قد نجحت وفشلت على حد سواء، فهي نجحت في العمل، ولكنها لم تفلح في الوجود، وقد علَّق المؤلف بقوله: “إذا فقد رَجُلٌ رِجلًا أو عَينًا، فهو يعرف أنه فقد رِجلًا أو عَينًا، ولكن إذا فقد نفسًا -نفسه- فليس بإمكانه أن يعرف ذلك، لأنه لم يعد موجودًا هناك ليعرف”.
الفكرة من كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
عُرف طبيب الأعصاب والكاتب أوليفر ساكس بالبعد الإنساني والأدبي في كُتبه، فحين يكتب عن المرض، فهو لا يحوِّل المرضى إلى حالات لا روح لها، أو كما يقول في مقدمة الكتاب: “سجل الحالة الحديث يلمِِّح إلى الفاعل بصورة سطحية: “أنثى في الحادية والعشرين من العمر مصابة ببرص ثلاثي الصبغ، وهي عبارة يمكن أن تنطبق على جرذ بقدر انطباقها على إنسان، ومن أجل إعادة الفاعل البشري إلى المركز – الفاعل البشري المُعاني، والمُبتلى والمقاوم – لا بد لنا من توسيع سجل الحالة إلى قصة أو حكاية”.
ما الذي يجعل شخصًا ما يظن أن زوجته قبعة؟ إنه الدماغ، هو ما يجعله يسلك سلوكًا غريبًا ومختلفًا.
هناك فرق بين الدماغ والعقل، فالدماغ هو الكتلة المادية الموجودة داخل الجمجمة، أما العقل فهو القدرة على التفكير والوظائف الإدراكية.
مؤلف كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
أوليفر ساكس: هو كاتب وباحث وطبيب أعصاب بريطاني متخصِّص في علم الأعصاب، ولد سنة 1933 في لندن، وتوفي سنة 2015. حاز رتبة قائد في رتب الإمبراطورية البريطانية (CBE)، وهو عضو جمعية الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا.
ألَّف الطبيب أوليفر ساكس مجموعةً من الكتب الأكثر مبيعًا، وقد تناولت في معظمها الحالات المرضية التي واجهته في مسيرته المهنية، والبعد الإنساني لها، ومن أشهر هذه الكتب:
أريد ساقًا أقف عليها.
رؤية الأصوات رحلة إلى عالم الصم.
عين العقل.
على الطريق (نُشر هذا الكتاب سنة 2015 قبل أشهر قليلة من موته).
عمى الألوان.