تمهيد
بدأت الدراسة العلمية للعلاقة بين الدماغ والعقل، عندما اكتشف الطبيب الفرنسي بول بروكا أن المرضى الذين يعانون الحبس أو صعوبات الكلام مصابون بتلف في جزء معين من النصف الأيسر في الدماغ، وكان هذا الاكتشاف بمثابة فتح علمي لأننا اكتشفنا من خلاله أن الوظائف العقلية سواء كانت الكلام أو النظر أو السمع أو العاطفة مرتبطة بأجزاء محددة من الدماغ، ولما يتلف جزء صغير من الدماغ أو يصيبه الضرر، لا يتضرر العقل أو جميع الوظائف العقلية بالضرورة، ولكن قد تتضرر وظيفة عقلية محددة.
لقد اكتشف بروكا أن فاقدي القدرة على الكلام يعانون تلفًا في هذا الجزء المعين من الدماغ، وهذا الاكتشاف مكَّن بعد ذلك من رسم خريطة الدماغ البشري بحيث أصبحنا نعرف كل جزء من الدماغ وما الوظيفة العقلية المرتبطة به، ولا نقصد بالوظائف العقلية الحواس فقط من سمع وبصر وغيرها، حتى التصرفات النفسية والسلوكية وكيف أن ما نحسبه سلوكًا حرًّا قد يكون مرتبطًا بأجزاء محدَّدة من الدماغ.
تخيَّل معي لبرهة شكل الدماغ الإنساني، فهو يتكوَّن من فصين (أيمن وأيسر)، من المعروف أن الفص الأيسر يتحكَّم بالعمليات التخطيطية والتفكير الاستراتيجي والعمل، والفص الأيمن يتكفَّل بالخيال والربط العقلاني والتعرُّف على الوجوه ويعطي معنًى للأشياء ويسيطر على القوة الحاسمة لتمييز الحقيقة.
ما الذي سيحدث إن فشل جزءٌ أو قُطع عمل عدة خلايا من أحد هذين الفصين؟
في الفص الأيسر سيلاحظ الخلل على الفور من قِبل المريض قبل غيره، فهو إما سيفقد القدرة على الحركة أو الكلام أو السمع، فهو قبل الآخرين سيرى حركته أو تصرفاته تختلف وتختل.
الأمر الذي يعرضه هذا الكتاب ويتحدث عنه هو: “ماذا لو حدث الخلل في الفص الأيمن؟
المريض لن يعرف ذلك، لن يحسَّ بأن هُناك شيئًا ناقصًا في جسده لأنه عندما يحدث خلل في هذا الفص، فإنه يحدث خلل في خلايا الفهم والربط؛ الخلايا التي تحذرك قائلة: هناك خطب ما في جسدك، انتبه!
إن الأعصاب، ومناطق الفهم والربط هي التي تتأثر وتفسد، وبالتالي كيف لك أن تعرف أن هناك خللًا ما في جسدك إن كانت مراكز التعرف على الخلل هي المصابة؟
الفكرة من كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
عُرف طبيب الأعصاب والكاتب أوليفر ساكس بالبعد الإنساني والأدبي في كُتبه، فحين يكتب عن المرض، فهو لا يحوِّل المرضى إلى حالات لا روح لها، أو كما يقول في مقدمة الكتاب: “سجل الحالة الحديث يلمِِّح إلى الفاعل بصورة سطحية: “أنثى في الحادية والعشرين من العمر مصابة ببرص ثلاثي الصبغ، وهي عبارة يمكن أن تنطبق على جرذ بقدر انطباقها على إنسان، ومن أجل إعادة الفاعل البشري إلى المركز – الفاعل البشري المُعاني، والمُبتلى والمقاوم – لا بد لنا من توسيع سجل الحالة إلى قصة أو حكاية”.
ما الذي يجعل شخصًا ما يظن أن زوجته قبعة؟ إنه الدماغ، هو ما يجعله يسلك سلوكًا غريبًا ومختلفًا.
هناك فرق بين الدماغ والعقل، فالدماغ هو الكتلة المادية الموجودة داخل الجمجمة، أما العقل فهو القدرة على التفكير والوظائف الإدراكية.
مؤلف كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
أوليفر ساكس: هو كاتب وباحث وطبيب أعصاب بريطاني متخصِّص في علم الأعصاب، ولد سنة 1933 في لندن، وتوفي سنة 2015. حاز رتبة قائد في رتب الإمبراطورية البريطانية (CBE)، وهو عضو جمعية الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا.
ألَّف الطبيب أوليفر ساكس مجموعةً من الكتب الأكثر مبيعًا، وقد تناولت في معظمها الحالات المرضية التي واجهته في مسيرته المهنية، والبعد الإنساني لها، ومن أشهر هذه الكتب:
أريد ساقًا أقف عليها.
رؤية الأصوات رحلة إلى عالم الصم.
عين العقل.
على الطريق (نُشر هذا الكتاب سنة 2015 قبل أشهر قليلة من موته).
عمى الألوان.