السطحيةُ في تقسيمِ التنميةِ الاقتصادية
السطحيةُ في تقسيمِ التنميةِ الاقتصادية
ظهرَ في أوائلِ القرنِ الماضي تعبيرُ “الرفاهيةِ الاقتصاديةِ”، والذي يوحي بإمكانيةِ تقسيمِ الرفاهيةِ إلى عدةِ أجزاء؛ من بينها الرفاهيةُ الاقتصادية، وكأننا نتحدثُ عن طبِّ الأصابع؛ الذي يفترضُ أنَّ ما يحدثُ لأصابعِ اليدِ يمكنُ فَهمُهُ وتفسيرُه دونَ دراسةِ الطبِّ العام، الذي يشملُ الجسدَ كلَّه! وهذا أمرٌ أشبهُ بالمستحيل، ثم إنّ الاقتصاديينَ يتناولونَ الثقافاتِ الوطنية، ويطلقونَ الأحكامَ على المجتمعاتِ الفقيرة، واعتبارِهم شيئًا واحدًا، كما كانَ يحدثُ في الخمسينياتِ والستينياتِ؛ فكانت الهندُ مثلَ الصين، العربُ مثلَ الأفارقة، المسلمونُ مثلَ المَسِيحيينَ مثلَ الملحدين، طالما أنهم يشتركونَ في الدخلِ المنخفضِ مقارنةً بالدخل الأمريكي.
بالطبعِ، إن الحكمَ بذلكَ الشكلِ على أنماطِ تفكيرِ أفرادِ تلكَ المجتمعاتِ وسلوكِهم وعاداتِهم وقيمِهِم الدينيةَ والأخلاقيةَ، ونظرتِهم للحياةِ عمومًا لهو أمرٌ مرفوض، ويُعتبرُ جِنايةً بل وقصورًا في الفَهْم؛ لأنَّ نفسَ الأشخاصِ الذين يقولونَ مثلَ هذا القول يَعمُونَ أبصارَهم عن حقيقةٍ تاريخيةٍ واضحةٍ وضوحَ الشمس؛ وهي أنّهم ينتمونَ “لبلادِهِمُ المتقدمةِ” اقتصاديًّا، والتي كانت منذُ وقتٍ ليسَ ببعيدٍ بلادًا متخلفةً – حَسَبَ معاييرهم- يعيشُ معظمُ أفرادِها حياةً فقيرة، ويتبنّون أفكارًا يرفضونَها تمامًا اليوم.
وإن تتبعنا التسلسلَ الزمنيَّ في التسعينيات، ستجدُ أنَّه بعد سقوطِ الاتحاد السوفيتي، تمّ رفعُ شعارِ “صراعِ الحضارات”، وللأسفِ نتجَ عن ذلك توصيفنُا كعربٍ ب”الإرهاب”، وأصبحَ ذلكَ مُبرِّرًا لاقتلاعِ ثقافَتِنا من جذورها، بالرُغم من بطلانِ صحةِ الشَعَارِ نفسِه؛ لأنَّهُ لم يكن سوى ستارٍ لتغطيةِ طموحاتِ الثقافةِ الغربيةِ في السيطرة، وفرضِ معاييرها الأخلاقيةِ والسياسيةِ والعسكرية؛ بحكم أنَّها أقوى اقتصاديًا مقارنةً بالثقافات الأخرى.
ومع انتصافِ القرنِ العشرين، تغيرت بعضُ المفاهيم، وبدلًا من السعيِ لتوحيدِ ثقافةِ واقتصادِ العالم، أصبحت السياساتُ الاقتصاديةُ المسيطرةُ تتوجَّهُ لإبقاءِ اقتصادِ بلدانِ العالمِ الثالثِ بحالةِ ضَعفٍ ورُكود؛ وذلكَ لاستغلالِها لخدمةِ مصالِحِهم في جعل تلكَ البلادِ مجردَ أسواقٍ لتصريفِ واستهلاكِ سلعٍ وخدماتٍ جديدةٍ؛ من أسلحةٍ وسياراتٍ وموادِ استهلاكية.
الفكرة من كتاب خرافةِ التقدمِ والتخلف
يُسلِّطُ كتابُ “خرافةِ التقدمِ والتخلّف” الأضواءَ على أفكارٍ قد نرى بأنها مسلّمات، ويُطلبُ منا أن ننظرَ ونفكرَ فيها بشكلٍ منطقيٍّ لنتأكَّدَ بأنها مجردُ خُدَعٍ وتضليلٍ سياسيٍ وإعلامي.
الحداثةُ -على سبيل المثال- لا تعني بالضرورةِ الإصلاح، فالكثيرُ من المصطلحاتِ التي تَصِفُ الحداثة تَحملُ في طَيَّاتِها معانٍ سلبية.
كما أن وَصْفَ أمّةٍ كاملةٍ بأنها أمةٌ متقدمةٌ أو متخلفةٌ؛ لهو حكمٌ خاطئ؛ لأنَّ التقدمَ والتخلفَ عادةً ما يشملُ جانبًا من جوانبِ الحياةِ، وليس عمومَها.
مؤلف كتاب خرافةِ التقدمِ والتخلف
جلال الدين أحمد أمين، هو عالمُ اقتصادٍ وكاتبٌ مصريٌ بارز؛ من أشهرِ مؤلفاتِه كتاب “ماذا حدث للثقافة في مصر؟ ” الذي يشرح التَّغيُّرَ الاجتماعيَّ والثقافيَّ في حياةِ المصريين، خلال الفترةِ من ١٩٤٥م إلى ١٩٩٥م، والذي يرتبط بظاهرة الحَرَاكِ الاجتماعي
كما أنّ له ُ العديدَ من الكتب، منها:
كتاب “خرافةُ التقدمِ والتأخرِ”
الذي يثيرُ فيه شكوكًا كثيرةً عن صحةِ الاعتقادِ بفكرةِ التقدمِ والتخلف، وفيما إذا كانَ من الجائزِ وصفُ دولٍ أو أممٍ أنها متقدمة، وأخرى أنها متخلفةٌ أو متأخرة.
كتاب “عصرُ الجماهيرِ الغفيرة”
الذي يتناولُ فيه جوانبَ تطورِ المجتمعِ المصريِّ خلالَ الخمسينَ سنةً الأخيرة في مجالات: الصحافةِ، الاقتصادِ، الثقافةِ، التليفزيون، السوبر ماركت والسياحة، الأزياء والحب، والعلاقةِ بين الدينِ والدنيا.