تمجيدُ الجديد، وكرهُ واحتقارُ القديم
تمجيدُ الجديد، وكرهُ واحتقارُ القديم
تسرَّبَت خرافةُ أنَّ التاريخَ الإنسانيَّ هو تاريخُ تقدمٍ مستمر، فتجدنا نُقسِّمُ التاريخَ إلى تاريخٍ قديم، يليه تاريخٌ وسيط، وأخيرًا تاريخٌ حديث الذي هو أفَضُلُهُم؛ ونقسِّمُ الأنظمةَ الحاكمةَ إلى أنظمةٍ تقليديةٍ وأخرى عصرية حديثة، والتي هي مطلبُ الناسِ ومرادُهم.
هذه الأفكارُ حولَ تمجيدِ كلِّ ما هو جديدٌ، وكرهِ واحتقارِ كلِّ ما هو قديم، هي أفكارٌ خُلِقت بعد ما يسمى (عصرَ النهضةِ) في أوروبا، وهي تسميةٌ غيرُ حياديّة، كما أنَّ التأملَ بعينِ المنطقِ والعقلانيةِ ينقضُ تلك الفكرة، فالحضاراتُ تُولد، تنمو، تتطور، وتموت، أي أنها لا تستمرُ بالتطورِ مدى الحياة، كما أنَّ تطوّرَهَا يكونُ دائمًا في أمورٍ معينةٍ على حسابِ أمورٍ أخرى.
تخيَّل رجلًا عربيًا جاءَ من الماضي من بغداد، عندما كانت منارةَ العلمِ والأدب، ووصلَ لإحدى العواصمِ الأوروبية.
إنّ من المشكوكِ به أن يحكمَ صديقُنا العراقيُّ حكمًا إيجابيًا على كلِّ ما يَراهُ، مقارنةً بمدينته القديمة، فالسيارةُ الفارهةُ التي تتسعُ لأربعةٍ لا يقودُها سوى شخصٍ واحدٍ يَعْلَقُ في زحمةِ المواصلات، ويُغلقُ بابَها بحبٍ وعطفٍ، قد يفوق عطفَه على أطفالِه وزوجتِه.
وقد يَعجَبُ صديقُنا بعدد القراءِ والناسِ الذين يحملونَ كتبًا ومجلاتٍ في كلَّ مكان، ولكن سَيسُوؤُهُ معرفتُه لمحتوى تلكَ الكتب، وأيضًا سيستاءُ من رؤيةِ الدَعَاياتِ التي تُروّجُ بتسليعِ النساءِ، واستخدامِ أجسادهنَّ لجذبِ الانتباه.
ليسَ هناكَ عَلاقةٌ بينَ التقدُّمِ سواءً كانَ اقتصاديًّا أو عسكريَّا أو تكنولوجيًّا، بالأخلاقِ أو بجعلِ الناسِ أكثرَ تسامحًا مع من هم مختلفون، أو بمعاملةِ المرأةِ بشكلٍ أكثرَ إنسانيةٍ، أو بتوطيدِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ ورفعِ مستوى الإنتاجِ الأدبي.
الفكرة من كتاب خرافةِ التقدمِ والتخلف
يُسلِّطُ كتابُ “خرافةِ التقدمِ والتخلّف” الأضواءَ على أفكارٍ قد نرى بأنها مسلّمات، ويُطلبُ منا أن ننظرَ ونفكرَ فيها بشكلٍ منطقيٍّ لنتأكَّدَ بأنها مجردُ خُدَعٍ وتضليلٍ سياسيٍ وإعلامي.
الحداثةُ -على سبيل المثال- لا تعني بالضرورةِ الإصلاح، فالكثيرُ من المصطلحاتِ التي تَصِفُ الحداثة تَحملُ في طَيَّاتِها معانٍ سلبية.
كما أن وَصْفَ أمّةٍ كاملةٍ بأنها أمةٌ متقدمةٌ أو متخلفةٌ؛ لهو حكمٌ خاطئ؛ لأنَّ التقدمَ والتخلفَ عادةً ما يشملُ جانبًا من جوانبِ الحياةِ، وليس عمومَها.
مؤلف كتاب خرافةِ التقدمِ والتخلف
جلال الدين أحمد أمين، هو عالمُ اقتصادٍ وكاتبٌ مصريٌ بارز؛ من أشهرِ مؤلفاتِه كتاب “ماذا حدث للثقافة في مصر؟ ” الذي يشرح التَّغيُّرَ الاجتماعيَّ والثقافيَّ في حياةِ المصريين، خلال الفترةِ من ١٩٤٥م إلى ١٩٩٥م، والذي يرتبط بظاهرة الحَرَاكِ الاجتماعي
كما أنّ له ُ العديدَ من الكتب، منها:
كتاب “خرافةُ التقدمِ والتأخرِ”
الذي يثيرُ فيه شكوكًا كثيرةً عن صحةِ الاعتقادِ بفكرةِ التقدمِ والتخلف، وفيما إذا كانَ من الجائزِ وصفُ دولٍ أو أممٍ أنها متقدمة، وأخرى أنها متخلفةٌ أو متأخرة.
كتاب “عصرُ الجماهيرِ الغفيرة”
الذي يتناولُ فيه جوانبَ تطورِ المجتمعِ المصريِّ خلالَ الخمسينَ سنةً الأخيرة في مجالات: الصحافةِ، الاقتصادِ، الثقافةِ، التليفزيون، السوبر ماركت والسياحة، الأزياء والحب، والعلاقةِ بين الدينِ والدنيا.