عوام الناس
عوام الناس
رجل الشارع (العاميُّ) ليس له مذهب، بل مذهبه هو فتوى مفتيه، فالعامي يلزمه التقليد، فإذا فات العامي -مثلًا- صلاتي العصر والمغرب، واستفتى فقيهًا حنفيًّا، فعليه قضاء ما فاته، وإن استفتى فقيهًا شافعيًّا، فلا قضاء عليه، ولا عبرة هنا برأي العامي، كون العامي ليس على دراية بأدلة كل مذهب وحجته، ولو حصل أن العامي في إحدى المسائل لم يستفتِ أحدًا، وصادف أنه وافق أحد المذاهب، فقد أجزاه ذلك.
وقد اختلف الفقهاء في مذهب العامي، فمنهم من قال إن العامي الذي استفتى فقيهًا في حادثة معينة، فعليه أن يلتزم بتلك الفتوى إذا صادفته تلك الحادثة مرَّة أخرى، ولكن له أن يستفتي غيره فيما عداها من مسائل إذا شاء، ومنهم من قال إن العامي المنتسب إلى مذهب معين عليه تقليد ذلك المذهب، ورأى آخرون أن العامي ليس له مذهب، وله أن يستفتي من شاء من غير تلقُّط للرخص.
وفي حالة إذا قام العامي باستفتاء أكثر من عالم واختلفت الفتوى، وكانوا على نفس الدرجة والمرتبة من الاجتهاد، فمن حق العامي أن يختار قول أيٍّ منهم كيفما شاء، ولكن بشرط أن يكون العلماء الذين استفتاهم على نفس الدرجة، أي أنهم متساوون في المرتبة، كأن يكون جميع من استفتاهم من المجتهدين المتبحرين في المذهب، أو أن يكون جميعهم من المجتهدين في المذهب.
الفكرة من كتاب عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد
أصبح موقف الناس من علماء الدين بين إفراطٍ وتفريطٍ، فقد نجد البعض يطعن في العلماء وأهل العِلم بالسب والقذف، والتقليل من شأنهم وعدم حفظ أي مقام لهم، والبعض الآخر على النقيض أخذ يُعظِّم العلماء، ويمنع توجيه النقد إليهم، كما دعوا إلى تقليدهم تقليد الجامد على موروثه، فأنزلوهم منزلة المعصومين من الخطأ، وكلٌّ من الفريقين قد أخطأ الدرب، وجانب الصواب، ولكن الحق والصواب أن نُجلَّ العلماء ونحفظ لهم قدرهم، وليس معنى الإجلال للعالِم أن نوالي من والاه، ونعادي من عاداه، فذلك لا يكون لأحدٍ غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد
شاه وليُّ الله الدهلوي الهندي، من العلماء المجدِّدين في القرن الثامن عشر الميلادي، قام بإحياء علوم الكتاب والسنة النبوية، وكتب فيها كتبًا عديدة منها: كتابا “الفوز الكبير في أصول التفسير”، و”شرح تراجم أبواب البخاري”، كما حارب الجمود والتقليد الذي ساد عصره، وألَّف في ذلك عدة كتب، منها: “عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد”، وقام بالتجديد الفكري والعلمي، وألف في ذلك كتبًا منها: “حجة الله البالغة”، و”البذور البازغة”.