المتبحِّر في المذهب
المتبحِّر في المذهب
ويندرج تحت المجتهد في المذهب، المجتهد المتبحر في المذهب (مجتهد الفتيا) وهو الذي يكون متبحرًا في مذهب إمامه، الحافظ لكتب مذهبه، المتقن لها، بحيث يفتي بما أتقن، والقادر على ترجيح قول على آخر في نطاق المذهب، ويجب في المتبحر في المذهب أن يكون صحيح الفهم، عارفًا باللغة العربية، ومراتب الترجيح بين الأقوال داخل المذهب، وعالمًا بمعاني كلامهم.
وفي حالة إذا وجد المتبحر في المذهب حديثًا يخالف مذهبه، ففيها قولان: القول الأول، إن كان عالمًا بالنصوص، من أهل الدراية، وثبت عنده صحتها، من كتبهم الموثوقة المشهورة، فيجوز له العمل بالحديث، وإن خالف ذلك المذهب، والقول الآخر، إن لم يكن عالمًا بالنصوص، وشقَّ عليه مخالفة الحديث، فله أن يأخذ بمذهب آخر غير الذي عليه، إن كان هناك إمام آخر قد أخذ به.
كما أن المتبحر في المذهب (مجتهد الفتيا) إذا أفتى الناس عليه أن يراعي حال بلده وزمانه، والأعراف السائدة ومعاملات الناس، كما يُستحب له الأخذ بالرخص تيسيرًا على الناس، فعليه أن يفتي بما هو أسهل عليهم، خصوصًا في حق الضعفاء، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) لأبي موسى الأشعري ومعاذ، حين بعثهما إلى اليمن: “يسِّرا ولا تُعسِّرا”.
الفكرة من كتاب عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد
أصبح موقف الناس من علماء الدين بين إفراطٍ وتفريطٍ، فقد نجد البعض يطعن في العلماء وأهل العِلم بالسب والقذف، والتقليل من شأنهم وعدم حفظ أي مقام لهم، والبعض الآخر على النقيض أخذ يُعظِّم العلماء، ويمنع توجيه النقد إليهم، كما دعوا إلى تقليدهم تقليد الجامد على موروثه، فأنزلوهم منزلة المعصومين من الخطأ، وكلٌّ من الفريقين قد أخطأ الدرب، وجانب الصواب، ولكن الحق والصواب أن نُجلَّ العلماء ونحفظ لهم قدرهم، وليس معنى الإجلال للعالِم أن نوالي من والاه، ونعادي من عاداه، فذلك لا يكون لأحدٍ غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد
شاه وليُّ الله الدهلوي الهندي، من العلماء المجدِّدين في القرن الثامن عشر الميلادي، قام بإحياء علوم الكتاب والسنة النبوية، وكتب فيها كتبًا عديدة منها: كتابا “الفوز الكبير في أصول التفسير”، و”شرح تراجم أبواب البخاري”، كما حارب الجمود والتقليد الذي ساد عصره، وألَّف في ذلك عدة كتب، منها: “عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد”، وقام بالتجديد الفكري والعلمي، وألف في ذلك كتبًا منها: “حجة الله البالغة”، و”البذور البازغة”.