الإنسان في معادلة الحضارة
الإنسان في معادلة الحضارة
يرتبط بالإنسان كعنصر أساسي في معادلة الحضارة ثلاثة عوامل هي: فكره وعمله وماله، ويرتد على تحقيق حالة النهوض الحضاري إلى توجيه هذه العوامل الثلاثة في تحسين فاعلية الإنسان، أما الفكر فيتمثَّل في الثقافة بجانبيها السلبي والإيجابي؛ فالقرآن الكريم جاء لينفي كل أفكار الجاهلية السيئة، ويؤسِّس لقيم وأفكار جديدة تسهم في بناء المستقبل، والثقافة نظرية في السلوك أكثر من كونها نظرية في المعرفة؛ فهي مجموعة من الصفات والقيم التي تربط أفراد المجتمع بجميع فئاتهم، ويبدأ في اكتسابهم لها من لحظة ميلادهم وحتى وفاتهم وبشكل يطبع شخصيتهم وأسلوب حياتهم، فهي إذن ليست مرادفة للتعليم، ومقابلة للجهل، أو مقتصرة على فئة نخبة من الناس دون غيرها، بل هي سمات سلوكية تميِّز أفراد المجتمع والحضارة؛ وتتجسَّد الثقافة حينها في عادات متجانسة، وأذواق متقاربة، وعواطف متشابهة.
ويصبح للجمال والذوق أهمية اجتماعية خاصة في بناء الحضارة؛ باعتباره المنبع الذي تصدر منه أفكار تبدأ من الاقتصاد في المشي مرورًا بالإحسان في العمل وانتهاءً بالتحلي بالكرم، كما أن جمال الثياب وشكله يصبغان شخصية صاحبه بصبغتهما، فالثياب الرثَّة لا تصنع إلا إنسانًا يشعر بذلة نفسه، والجبة تصنع الشيخ، كما تصنع القبعة القسيس؛ فالملبس أو المظهر إذن يحكم تصرُّفات الإنسان بدرجة كبيرة، أما المنطق العملي للإنسان فينصرف إلى الكيفية التي يدير الإنسان بها وقته ويستغل من خلالها يومه، وما مقدار العلم الذي يسعى إليه وفيم سيوظِّفه؟ وما مقدار المال الذي يحتاج إليه وفيما سينفقه؟ فللمنطق العملي في الإسلام طبيعة هدفية؛ فالإنسان لا يتعلَّم للعلم فقط، ولا يقدم الفن لذاته، بل لتحصيل أغراض تتمثَّل في خدمة الفرد والمجتمع المسلم.
ولذلك تصنَّف الحضارة الإسلامية على أنها ثقافة توازن بين القيم الأخلاقية والقيم الجمالية، بحيث تحفظ للإنسان سِتره، وللمجتمع قوامته، بخلاف الحضارة الغربية التي سوَّدت قيم الجمال فتمادت في تحرير المرأة وبيان مفاتنها للجميع، وسعت للسيطرة على الآخرين لفرض قيمها، كما أن الحضارة الإسلامية توجِّه العمل من الناحية التربوية أولًا، قبل الناحية الكسبية التي تأتي تالية على الأولى؛ فغيَّرت في مفهوم العمل وطبيعته ومقابله، فتعليم الآخرين عمل والتعلم منهم أيضًا عمل، وإماطة الأذى عن الطريق عمل، وغرس الشجرة عمل! أما رأس المال فللحضارة الإسلامية توجيه خاص لها في ضوء قيمها الأخلاقية، إذ تجعل منه آلة اجتماعية تنهض بالتقدُّم المادي في المجتمع تستخدم في بناء المصانع والتجارة، دون أن تكون مجرد ثروة في أيدي فئة قليلة لا يستفيد منها المجتمع.
الفكرة من كتاب شروط النهضة
في هذا الكتاب نجد صلة جليَّة بين الماضي والحاضر والمستقبل في تناول الكاتب لكل قضية من القضايا المطروحة، فنجد اتصالًا بين الواقع المُشاهد وما ينبغي أن يؤول إليه، إذ يعدُّ الكتاب أحد أهم الكتب الفكرية التي تعالج قضايا الحضارة والثقافة في العالم الإسلامي.
ويكتسب أهمية خاصة لكونه يلخِّص أفكار مالك بن نبي وهدف مشروعه الفكري الضخم، الذي عبَّر عنه في الكثير من المؤلفات الأخرى، وليس معنى ذلك الاكتفاء بقراءة هذا الكتاب دون الكتب الأخرى، ولكن فيه إشارة إلى أهمية هذا المؤلف كمدخل لقراءة منظومة فكر مالك بن نبي وفهم مقاصده مع ضرورة التطرُّق إلى المؤلفات الأخرى للتعمُّق في جوانب مشروعه الفكري.
مؤلف كتاب شروط النهضة
مالك بن نبي: كاتب ومفكر إسلامي، يعد أحد أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، وُلِد في الجزائر في 28 يناير 1905، وتخرَّج في كلية الهندسة.
وله العديد من المؤلفات منها: “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”، و”الظاهرة القرآنية”، و”مشكلة الثقافة”، و”وجهة العالم الإسلامي”، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”، و”ميلاد مجتمع”.