دورة التاريخ بين مالك بن نبي وابن خلدون
دورة التاريخ بين مالك بن نبي وابن خلدون
إن الأمم تمرُّ بمراحل وظروف تاريخية معيَّنة على أبنائها ومفكريها أن يراعوا طبيعة هذه المرحلة ومركز أمتهم فيها قبل وضع حلول للمشكلات التي تواجههم، قبل استيراد الحلول الجاهزة من الشرق والغرب، فيؤكِّد الكاتب أن المشكلات التي تواجه من يعيشون عام 1948م تختلف عن المشكلات التي يعيشها أبناء 1367هـ، فخصوصية السياق والمرحلة الزمنية وطبيعة النسق الفكري السائد تحتِّم مشكلات مختلفة، وبالتأكيد حلولًا مختلفة لها! فأبناء العالم الإسلامي كانت في هذا الوقت -ولا تزال- لا تعرف وجهتها ولا طبيعة الأهداف التي عليها توخِّيها، والوسيلة المُثلى لتحقيق هذه الأهداف، فمشكلة المسلمين أنها في حاجة إلى الإيمان في المبدأ القرآني للتغيير وفاعليته في التاريخ، وإمكانية تطبيقه وصلاحيته لأي وقت وزمن، فالعقيدة وحدها هي التي تبعث الحضارة.
وإذا كان ابن خلدون قد سبق مالك بن نبي في فكرة الدورات التاريخية التي تبدأ بالنشأة وتنتهي بالأُفول والانهيار، فإن ابن خلدون قد درس وطبَّق هذه الدورات على الدول لا على الحضارات كما فعل مالك، فأشار ابن خلدون إلى أن الدول تبدأ بمرحلة تسود فيها القوة والعصبية والشوكة، ثم تبدأ في الانهيار بعد أن تغلب سمة الدعة وتدخل في طور التنعُّم فتنهار الدولة، أما ابن نبي فبعد دراسته للحضارتين الإسلامية والمسيحية وجد أن كليهما بدأت حلقتها الحضارية الأولى بظهور فكرة دينية حرَّكت الإنسان فدفعته إلى النشاط والتوسُّع، ثم بدأت في الأفول حينما يبدأ العقل بالسيطرة على الروح، ثم تنهار الحضارة وتصل إلى مرحلة السقوط بعد أن تفقد الروح ثم العقل.
وقبل أن تبدأ دورة الحضارة يكون إنسان ما قبل الحضارة أو إنسان الفطرة، أما مرحلة ما بعد الحضارة فيعيش فيها الإنسان حالة تفسُّخ حضاري، والفارق بين الاثنين كبير في استعدادهما للدخول في دورة الحضارة، فالأول في قلبه ونفسه فراغ يسهل ملؤه واستخدامه في دورة الحضارة كالماء الذي لم يدخل خزان توليد الكهرباء بعد، أما الذي يقبع في مرحلة ما بعد الحضارة فإن عقله ونفسه ممتلئان بالرغبة في الاستهلاك والقيم الأخلاقية السلبية، لذلك فإن تحضيره يحتاج إلى تغيير جذري في نفسه ليعود إلى صفاته الأساسية كالماء الخارج من خزان توليد الكهرباء الذي لا يصلح استخدامه مرة أخرى في توليد الكهرباء إلا إذا مرَّ بعمليات كيميائية تردُّه إلى الطبيعة النقية للماء!
الفكرة من كتاب شروط النهضة
في هذا الكتاب نجد صلة جليَّة بين الماضي والحاضر والمستقبل في تناول الكاتب لكل قضية من القضايا المطروحة، فنجد اتصالًا بين الواقع المُشاهد وما ينبغي أن يؤول إليه، إذ يعدُّ الكتاب أحد أهم الكتب الفكرية التي تعالج قضايا الحضارة والثقافة في العالم الإسلامي.
ويكتسب أهمية خاصة لكونه يلخِّص أفكار مالك بن نبي وهدف مشروعه الفكري الضخم، الذي عبَّر عنه في الكثير من المؤلفات الأخرى، وليس معنى ذلك الاكتفاء بقراءة هذا الكتاب دون الكتب الأخرى، ولكن فيه إشارة إلى أهمية هذا المؤلف كمدخل لقراءة منظومة فكر مالك بن نبي وفهم مقاصده مع ضرورة التطرُّق إلى المؤلفات الأخرى للتعمُّق في جوانب مشروعه الفكري.
مؤلف كتاب شروط النهضة
مالك بن نبي: كاتب ومفكر إسلامي، يعد أحد أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، وُلِد في الجزائر في 28 يناير 1905، وتخرَّج في كلية الهندسة.
وله العديد من المؤلفات منها: “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”، و”الظاهرة القرآنية”، و”مشكلة الثقافة”، و”وجهة العالم الإسلامي”، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”، و”ميلاد مجتمع”.