أن تتحرر وتكون لله
أن تتحرر وتكون لله
جسدٌ يتألم.. فوقه صخرة ضخمة.. في أوج النهار.. على حر الرمال؛ يقول بلال (رضي الله عنه): أَحدٌ أحد! قل لي يا بلال بربِّك.. أنَّى لك هذا؟! أنَّى لك هذا الصبر وهذا الجَلد؟ أنَّى لك هذا الثبات؟ هل كان بلال (رضي الله تعالى) يتلَّقى قُرآنًا غير الذي نقرؤه؟!
تبين الكاتبة أن هذه الشدَّة التي تذوَّقها الصحابة (رضوان الله عليهم) تجعل عقولنا تدرك جيدًا أن المعاني التي أدركتها تلك الصدور غير المعاني التي نفهمها عن القرآن، لقد قرأ بلال (رضي الله عنه) “سورة البروج” قراءة غير القراءة التي نقرأها، هذه السورة تفيء إليها روح الشُهداء والباذلين لدين الله أرواحهم، وكأنَّ فيها صوت الأنهار بعد ظمأ غربة الدين، يقول الله عز وجل: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾، وكأن سورة البروج تصوِّر هذا العُرس السماوي للشُهداء، وتُفسِّر لنا لماذا يبتسم الشهداء وهم ينزفون! هذه المعاني هي التي خففت الجراح، هي التي أمنت صوت الخوف في قلوب المسلمين فقد عرفوا جيدًا ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾.
وفي الجهة المقابلة نرى من أسبغ الله عليهم بالنعم يضيقون بكل ضيق ولو كان بسيطًا، وإذا امتد زمن الرخاء نسوا فضل الله عليهم، بل وأشركوا معه غيره، لذا نجد القُرآن يذكر “قُريش” كيف كانت مكة لا زرع فيها ولا حياة، وبفضل من الله صارت محطة بين الشام واليمن، فنُفخ فيها الحياة بالتجارة، وأصبحت حية مليئة بالحركة، مليئة بالبُر والعود والسيوف والدروع، يقول الله تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾، فكل نعمة تُلمس بالقلب، لكن جحودها يبدأ باللسان، ثم بالنسيان، فإذا نسي بلغ الجاحد مرتبة الكُفر.
وفي ختام المصحف تأتي سورة الفلق؛ لتكشف عن ضوء النهار إذا ما طهر القلب من الحسد، وتأتي سورة الناس لتنصر العقل على فلسفة الشر.
الفكرة من كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
إن الناظر في مواقف الصحابة (رضوان الله عليهم) وتغيُّر حالهم مما كانوا عليه قبل البعثة وحين نزل عليهم الوحي، يقف مُتعجبًا كيف تغير هؤلاء هذا التغيُّر المقابل تمامًا، كيف انقلب حالهم من الضلال والشرك إلى النور والتوحيد، كيف بعد أن كانوا أُمة لا تُذكر ارتفع ذكرهم في أرض الله بأكلمها، كيف بعد أن كانت حدودهم مكة وما حولها، صارت شموسهم تُشرق من كل اتجاه، فما سر هذا التغيُّر؟ وما سر قوَّته وتأثيره؟ إنه كلام ربِّ العالمين!
في هذا الكتاب تكشف لنا الدكتورة كِفاح أبو هَنُّود كيف بنى القُرآن تلك النفوس الجليلة من خلال تتبُّع السور المكيَّة التي شكلَّت أولى اللبنات التي قامت عليها هذه الأمَّة، لنحاول من جديد أن نستقي من نور الوحي، فإنه لا أثر للنص إذا انقطع عنه الفَهم.
مؤلف كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
د. كفاح أبو هنود: كاتبة أردنية الجنسية، حاصلة على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وهي الآن أستاذة جامعية، كما أنها ناشطة في العمل الشبابي والنسائي في دول عدة، وقد أسست عددًا من البرامج التربوية.
من مؤلفاتها:
في صحبة الأسماء الحُسنى.
التوظيف الحداثي لآيات المرأة: جمال البنا نموذجًا