الإنسان المُتسِّع
الإنسان المُتسِّع
هذا التكوين الآخذ بالإحكام، هذا البناء الآخذ بالثبات، يتلَّقى اللبنة فوق اللبنة ليظهر شامخًا فيُعرف، يظهر جليًّا أنه نعم.. هذا إنسان القُرآن!
يقول الله تعالى في سورة “القلم”: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾، فـ”القلم” تلك الأداة الأولى في الخلق، وكان أول أمر له “اُكتب”، ثم كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي يُقسِم بالقلم، ومن وعى تلك الحقيقة بقلبه استبق للعلم فارتوى به، وتذكر الكاتبة بعض أحوال السلف (رضوان عليهم) مع العلم، فهذا الإمام البُخاري يقوم من نومه ثلاثين مرة في ليلة كي يخط ثلاثين فكرة، وها هو أحمد بن حنبل يقول: مع المحبرة حتى المقبرة، ثم بعد الرقي بالعلم يأتي الرقي بالنوايا والأخلاق، فتذكر السورة الكريمة قصة “أصحاب الجنة” لتبث في نفوس قرائها كيف استحالت النوايا السوداء حطبًا، كيف بعد أن كانت جنَّة أصبحت كالصريم، فتنزل هذه السورة في مكة لتتسِّع صدور الصحابة بمعنى العطاء.
فما تفعله الكتابة أنها تُطيل أعمارنا، وهذا ما تفعله الصدقة أنها تُطيل أعمارنا وتجعلنا متجذِّرين، فالقرآن يخلق لنا معنى للحياة أكثر اتساعًا، إذ لا ينتهي أجر الأعمال الصالحة بعد الموت ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾، وهذا ما أدركه السلف، فنرى أنواع الأوقاف المختلفة التي عرفها المسلمون، فهناك وقف دار الثقة في المغرب فهو دار تُستقبل فيها الزوجة الغاضبة حتى تهدأ وتسكين فتعود إلى بيتها مُطيَّبة راضية، وفي دمشق كان هناك وقف أراضٍ تسمى “المرج الأخضر”، وكانت للقطط الضالة والمريضة والخيول التي أُرهقت من كثرة الجهاد، وكان يتم علاجها ورعايتها.
وبهذا يسمو قلب الإنسان، ويتسِّع للكون، يرتقي فيسمع آيات تُتلى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾، صفة “الأعلى” تحديدًا، ليحمله القرآن مُحلِّقًا نحو الأعلى، وكأن “اقرأ” هي الطريق إلى “الأعلى”، لأن الولادات الحقيقية للبشر تبدأ على عتبة الوعي، فهناك ولادة لا قرار للمرء فيها وهي ولادته البيولوجية، وولادة يُكتب معها تاريخه وهي الولادة التي يختار ميعادها.
الفكرة من كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
إن الناظر في مواقف الصحابة (رضوان الله عليهم) وتغيُّر حالهم مما كانوا عليه قبل البعثة وحين نزل عليهم الوحي، يقف مُتعجبًا كيف تغير هؤلاء هذا التغيُّر المقابل تمامًا، كيف انقلب حالهم من الضلال والشرك إلى النور والتوحيد، كيف بعد أن كانوا أُمة لا تُذكر ارتفع ذكرهم في أرض الله بأكلمها، كيف بعد أن كانت حدودهم مكة وما حولها، صارت شموسهم تُشرق من كل اتجاه، فما سر هذا التغيُّر؟ وما سر قوَّته وتأثيره؟ إنه كلام ربِّ العالمين!
في هذا الكتاب تكشف لنا الدكتورة كِفاح أبو هَنُّود كيف بنى القُرآن تلك النفوس الجليلة من خلال تتبُّع السور المكيَّة التي شكلَّت أولى اللبنات التي قامت عليها هذه الأمَّة، لنحاول من جديد أن نستقي من نور الوحي، فإنه لا أثر للنص إذا انقطع عنه الفَهم.
مؤلف كتاب فقه بناء الإنسان في القرآن
د. كفاح أبو هنود: كاتبة أردنية الجنسية، حاصلة على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وهي الآن أستاذة جامعية، كما أنها ناشطة في العمل الشبابي والنسائي في دول عدة، وقد أسست عددًا من البرامج التربوية.
من مؤلفاتها:
في صحبة الأسماء الحُسنى.
التوظيف الحداثي لآيات المرأة: جمال البنا نموذجًا