الفكرة الصهيونية
الفكرة الصهيونية
بعد كل تلك الدراما التاريخية من الصراع والمناورات القومية بين اليهود وجيرانهم في المجتمعات المختلفة، أصبحت المسألة اليهودية أشبه بصداع مزمن لدى أنظمة الحكم في أوروبا، وبدأ التفكير جديًّا في محاولة للتخلُّص من تلك الحفنة من البشر بعدما فشلت سياسة المسكِّنات، وهنا برزت على السطح عدة حلول بعضها يُنسب إلى المؤرخ الروسي سيمون دوفنوف، إذ استهدف التعويل على ما يعرف بقومية الشتات المتجذِّر داخل تراث الأقلية اليهودية، واللعب على وتر الوعي بالذات التاريخية ومن ثم محاولة إعادة توطينهم بالمنفى.
ورغم أن تلك الرؤية قد تتفق في بعض الأوجه مع بعض الملامح العامة للفكرة الصهيونية في مجملها، وهي رفض انصهار الأقليات اليهودية في مجتمعاتهم، فإنها تتمايز عنها في المنطلقات والتبعات الناتجة، فالصهيونية لا تعدو إلا أن تكون مجرد فكرة واهية لا قرار لها اللهم إلا بعض الخرافات والأساطير التاريخية، بخلاف رؤية دوفنوف والتي تنطلق من الوعي التاريخي بوجود نوع ما من الوحدة التجريدية للأقليات اليهودية في أوروبا ومحورية التراث اليهودي والعمل على تطويره، ولكن على الرغم من تلك الرؤية الواقعية فإنها لم تصمد كثيرًا أمام دعاة الفاشية.
ولأجل سبر أغوار تلك الفكرة فعلينا تتبُّع الإيقاع التاريخي للأحداث والتحوُّلات الاجتماعية في أوروبا، لا سيما خلال القرن التاسع عشر، فتنافس الدول الأوروبية فيما بينها على الأسواق والنفوذ السياسي وما تبع ذلك من الهجمة الإمبريالية الغربية كان الوسيلة التي استخدمها اليهود لتحقيق مآربهم، بالإضافة إلى دخول الإمبراطورية العثمانية نفق السقوط والانهيار، حيث كانت في أوج ضعفها فكان سقوطها مسألة وقت ليس إلا، مما جعل أعناق اليهود تشرئب إلى فلسطين بوصفها أرض الميعاد -المزعومة- بعد فشل محاولاتهم السابقة إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني، وهنا تصادف أن تلاقت الظروف والمصالح، مما جعل من احتلال اليهود لفلسطين واقعًا لا مفر منه.
الفكرة من كتاب الأيديولوجية الصهيونية
“أن تعرف عدوَّك خير لك من أن تظل تُحدث نفسك”!
نجح اليهود بلا شك في شقِّ الصف العربي وزرع أنفسهم بين نسيجه الممتد من المحيط إلى الخليج، وتظل قضية فلسطين القضية المحورية الأولى التي تفرَّع عنها كثير من المشكلات الأخرى المصطنعة، ومع تطوُّر الأحداث بشكل رهيب واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة موحَّدة لإسرائيل إبان عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وكذا عملية التطبيع التي جرت بين عدد من الأنظمة العربية وإسرائيل، يصبح من المهم الآن سبر أغوار تلك الحركة الصهيونية وفهم أبعاد المسألة اليهودية من الجذور، وهذا هو موضوع الكتاب الذي بين أيدينا.
مؤلف كتاب الأيديولوجية الصهيونية
عبد الوهاب محمد المسيري (1938 – 2008): مفكر وعالم اجتماع مصري، التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة الإسكندرية وتخرج عام 1959 وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، سافر إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وعلى الدكتوراه من جامعة روتجرز نيوجيرسي، وعمل بالتدريس في جامعة عين شمس وعدة جامعات عربية، وكان عضو مجلس الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك كان عضو مجلس الأمناء بجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرغ، بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
يعد واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيونية، وصدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية، منها: “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، و”الجماعات السرية في العالم”، و”العنصرية اليهودية”.