النقاء العرقي
النقاء العرقي
لعلَّ من أهم الثوابت في الفكر اليهودي فكرة ما يسمى بـ”نقاء العرق اليهودي”، فهم نسجوا الكذبة وصدقوها ثم حاكموا باقي المجتمعات إليها، فمن قال إن يهود اليوم هم يهود الأمس! فاليهودية كغيرها من الديانات دخلها العديد من الأعراق، ومن ثم تعد فكرة ادعاء اليهود أنهم أكثر نقاءً من الأعراق الأخرى فكرة لا أساس لها من الصحة، وعلى تلك المقدمة الواهية زعم اليهود أنهم شعب الله المختار وسادة العالم وأن غيرهم محض عبيد لهم، فاكتسبت بذلك شعوب الأمم غير اليهودية -والتي يطلق عليها لفظ الجويم في الثقافة العبرية- كل صفات الذم والقدح لمجرد أنهم فقط ليسوا يهودًا!
وقد تطوَّرت تلك النظرة العدائية وترسَّخ هذا الحقد لدى اليهود تجاه غيرهم حتى وصل الأمر إلى تعميق فكرة الانعزالية، وتضييق الخناق للتعامل مع الأغيار حتى مجرد المشاركة في تناول الطعام! كل تلك السلوكيات نشأت عن عامل نفسي، معبأ بأيديولوجيا النصوص الدينية التي وظفها البعض لخدمة بعض المصالح والأغراض النفعية، مما حدا ببعض علماء اليهود لإعادة النظر مرة أخرى في تراثهم الفكري والعقدي، لإيجاد صيغة ما تضمن التوافق بين التراث والتعايش السلمي بين الشعوب حتى لا يصير اليهودي بذلك معاديًا لأسس التعايش السلمي وتقبُّل الآخر، وهادمًا للبنية الثقافية في المجتمعات التي نشأ فيها.
ولكن ما لبثت أن ذهبت كل تلك المحاولات أدراج الرياح، حيث أطلت الصهيونية بوجهها القبيح كحركة سياسية في الأساس تقرر ما هو الثابت والمتغير في الثقافة اليهودية، فعادت نظرة الاستعلاء على الشعوب الأخرى بصورة أكثر حدة، بل زادت من تنصُّلهم من تراث مجتمعاتهم، فاليهود لا جذور لهم في عصور الشتات إذ يفقدون الصلة ما بين ماضيهم وحاضرهم، ومن هذا المنطلق وصف بعضهم ولاء اليهودي لغير وطنهم القومي إسرائيل خيانةً للقيم والثقافة اليهودية الخالصة وأولى بالرثاء والاحتقار، فولاء اليهودي ليهوديته هو أسمى من الولاء لأي حدود وطنية، وكانت قضية الولاء تلك هي نتيجة طبيعية لتقسيم صهاينة العالم إلى يهود وأغيار حتى بات هذا التقسيم يأخذ شكلًا عرقيًّا قبيحًا وإجراميًّا في ذات الوقت.
الفكرة من كتاب الأيديولوجية الصهيونية
“أن تعرف عدوَّك خير لك من أن تظل تُحدث نفسك”!
نجح اليهود بلا شك في شقِّ الصف العربي وزرع أنفسهم بين نسيجه الممتد من المحيط إلى الخليج، وتظل قضية فلسطين القضية المحورية الأولى التي تفرَّع عنها كثير من المشكلات الأخرى المصطنعة، ومع تطوُّر الأحداث بشكل رهيب واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة موحَّدة لإسرائيل إبان عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وكذا عملية التطبيع التي جرت بين عدد من الأنظمة العربية وإسرائيل، يصبح من المهم الآن سبر أغوار تلك الحركة الصهيونية وفهم أبعاد المسألة اليهودية من الجذور، وهذا هو موضوع الكتاب الذي بين أيدينا.
مؤلف كتاب الأيديولوجية الصهيونية
عبد الوهاب محمد المسيري (1938 – 2008): مفكر وعالم اجتماع مصري، التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة الإسكندرية وتخرج عام 1959 وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، سافر إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وعلى الدكتوراه من جامعة روتجرز نيوجيرسي، وعمل بالتدريس في جامعة عين شمس وعدة جامعات عربية، وكان عضو مجلس الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك كان عضو مجلس الأمناء بجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرغ، بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
يعد واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيونية، وصدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية، منها: “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، و”الجماعات السرية في العالم”، و”العنصرية اليهودية”.