هزيمة العقل اليهودي
هزيمة العقل اليهودي
لم يستثمر اليهود فرص الحرية والمشاركة السياسية التي أُتيحت نتيجة التغييرات المجتمعية التي صاحبت عصر الإصلاح الديني، بل وقفوا حجر عثرة أمامها، بالإضافة إلى بعض الظروف المجتمعية الأخرى التي عملت على انعزالهم، فتم إغلاق دور التعليم من قِبل اليهود أنفسهم وكانت بعض الدول قد فتحتها لهم، كما فشلت محاولة دمجهم اقتصاديًّا وتوطينهم بالمناطق الزراعية، فلم يتغيَّر هيكل العمالة كثيرًا بالتغيرات الثورية في الآلة الصناعية، وبدأت بعض الدول تتراجع عن سنِّ بعض قوانين التسامح والاندماج المجتمعي وحفظ الحقوق والحريات للأقليات.
فتفريط اليهود في تلك الفرصة التاريخية للانصهار المجتمعي أدى إلى تأليب الدول عليها واستقدموا بذلك عداءً كان من الممكن أن ينتهي، ومن هنا كانت تلك اللحظة بمثابة ردة اليهود لعهدهم الأول من الاضطهاد والقهر وتضييق الحريات والدخول في الصدام مع المجتمعات والحكام، فضلًا عن الأنشطة الاقتصادية الضارة التي كانوا يمارسونها وقد دفعت بقيصر روسيا إلى اتخاذ تدابير مؤقتة أكثر قمعًا للحد من خطر الجماعات اليهودية على النظام السياسي والاقتصادي، فكانت بمثابة الدافع الأساسي لهجرة اليهود إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتشجيع الأفكار الصهيونية.
ورغم أننا نعيش في عالم أكثر تركيبًا تحتاج فيه الأفكار إلى مئات السنين حتى تصير واقعًا ملموسًا، نجد أن الصهاينة اليهود لم يتقبَّلوا نجاحهم النسبي مقارنةً بغيرهم من الأقليات في عملية الانعتاق من العزلة والدمج المجتمعي، نتيجة إرثهم العقائدي لبعض الأفكار المتطرِّفة مثل العودة إلى أرض الميعاد، وكونهم شعب الله المختار وكذا خرافة النقاء العرقي التي أسهمت في اختلال المعايير وإقامة اليهود أنفسهم مقام الرخ وغيرهم من الأغيار مقام البيدق، كذلك أدى انهيار الأساس الاقتصادي وتفرُّد اليهود ببعض الوظائف التي كانت حكرًا عليهم إلى فقد أحد أهم أسباب قوتهم، فكانت بذلك ضربة قاضية دمَّرت بعض الجيوب التي كان يحتمي بها اليهود قبل ذلك.
الفكرة من كتاب الأيديولوجية الصهيونية
“أن تعرف عدوَّك خير لك من أن تظل تُحدث نفسك”!
نجح اليهود بلا شك في شقِّ الصف العربي وزرع أنفسهم بين نسيجه الممتد من المحيط إلى الخليج، وتظل قضية فلسطين القضية المحورية الأولى التي تفرَّع عنها كثير من المشكلات الأخرى المصطنعة، ومع تطوُّر الأحداث بشكل رهيب واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة موحَّدة لإسرائيل إبان عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وكذا عملية التطبيع التي جرت بين عدد من الأنظمة العربية وإسرائيل، يصبح من المهم الآن سبر أغوار تلك الحركة الصهيونية وفهم أبعاد المسألة اليهودية من الجذور، وهذا هو موضوع الكتاب الذي بين أيدينا.
مؤلف كتاب الأيديولوجية الصهيونية
عبد الوهاب محمد المسيري (1938 – 2008): مفكر وعالم اجتماع مصري، التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة الإسكندرية وتخرج عام 1959 وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، سافر إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وعلى الدكتوراه من جامعة روتجرز نيوجيرسي، وعمل بالتدريس في جامعة عين شمس وعدة جامعات عربية، وكان عضو مجلس الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك كان عضو مجلس الأمناء بجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرغ، بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
يعد واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيونية، وصدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية، منها: “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، و”الجماعات السرية في العالم”، و”العنصرية اليهودية”.