الحياة الاجتماعية
الحياة الاجتماعية
يصل الغراب إلى سن البلوغ في خلال ثلاث إلى خمس سنوات، ومن ثم يبدأ في التزاوج والتكاثر، حيث يمتلك القدرة على التناسل سنويًّا، والغراب الذي لم يصل إلى سن التزاوج بعد أو لم يحصل على شريك فإنه يظل مقيمًا مع أبويه وينشغل بمساعدتهما على تربية النسل الجديد، وكذلك يمتاز بأنه شديد الوفاء لشريكه فلا يقيم علاقات جنسية مع أكثر من شريك، أي أنه يقدِّس الحياة العائلية، وطبقًا للأساطير فعادةً ما تبيض الغربان ذكرًا وأنثى ليتزاوجا فيما بعد، فإن تشابه جنسا الفرخين فإنهما في الأغلب يميلان إلى عدم الارتباط والبقاء مع والديهما كما ذكرنا.
أما بالنسبة للأسراب، فكثير من الغربان تميل إلى البقاء في مجموعات صغيرة، ولكن يلاحظ قيامها بتجمعات ضخمة قد تصل في بعض الأوقات إلى مليون طائر، وذلك في أواخر الخريف أو الشتاء، وأسباب هذا الاجتماع غامضة بعض الشيء لكن يرجَّح كونها لتبادل المعلومات عن أماكن توافر الطعام وأماكن وجود المفترسين، وتشير الأساطير إلى أن هذا التجمع يكون بهدف عقد محاكمة.
تشترك الغربان في كثير من الأمور مع الإنسان كما أوضحنا، ومن الطريف استكمال ذلك بما يخصُّ علاقتها الاجتماعية والودية بالكلابيات، فيقوم الغراب بملاحقة الذئاب على سبيل المثال ليأكل بقايا الحيوانات التي قتلتها، أو قد يقوم بلفت انتباهها إلى الضحايا الميتة حتى تقوم بتمزيق جلدها وبالتالي يستطيع هو أن يقتات عليها.
الفكرة من كتاب الغراب.. التاريخ الطبيعي والثقافي
اختلف الواصفون من شعراء وعلماء وكهنة ورسامين في توصيف الغراب، أي أن كل اتجاه يميل إلى إظهار جانب مختلف من جوانب هذا الطائر العتيق، فالعالِم يراه بنظرة تشريحية تدرس وظائفه الحيوية وخصائصه التصنيفية التي تضعه في سلالات ومسميات تحدد رتبته ضمن باقي الكائنات الحية، والفنان يهتم برسم لوحات تبين الثنيات والألوان بتفاصيل جمالية، فضلًا عن تضمينه في كثير من الأمثال الشعبية ذات الدلالات والحكم المتوارثة جيلًا بعد جيل.
أما العوام من الناس فتروج بينهم النظرة التشاؤمية المرهونة برؤية هذا الطائر، وهكذا فإن الأساطير المحكية والتقاليد والتاريخ وحتى القصص الدينية المتواترة والكتب المقدسة جميعها تحوي حديثًا متنوعًا عن الغربان، ويختلف كل منهم في ذكر صفاته ووصف وجه مميز يغيب في منظور الوصف الآخر، لكنهم يجتمعون معًا لخلق صورة واحدة تنتهي برسم لوحة متكاملة عن الكائن الغامض ذي الريش الأسود والمنقار المدبَّب.
ومن هنا يهدف هذا الكتاب إلى الحديث عن سلوكه الحيواني وتوضيح ما له في التاريخ الطبيعي والثقافي من جميع الاتجاهات كالشعر والأدب والفنون، حتى يتيح لنا الإلمام بكل ما لهذا المخلوق من حديث يعيننا على فهم ما يدور حوله من ألغاز علمية، إضافةً إلى إدراك ما يمثله في الثقافات المختلفة، ويعد أرسطو أول المتحدثين عن الحيوان بشكل علمي، وذلك في كتابه “تاريخ الحيوان”، الذي تحدث فيه عن الغربان واصفًا أشكالها وخصائصها، وقد ذكر في مدة رعايتها واهتمامها بأبنائها أنها طويلة مقارنةً مع باقي الطيور.
مؤلف كتاب الغراب.. التاريخ الطبيعي والثقافي
الدكتور بوريا ساكس Boria Sax كاتب أمريكي من مواليد المملكة المتحدة في عام 1949، حاصل على الدكتوراه في التاريخ الألماني والفكري من جامعة ولاية نيويورك في بوفالو، ومحاضر الأدب في كلية ميرسي في دوبوس فيري بنيويورك، وله العديد من الكتب التي تبحث تداخل علم الحيوان بأساطير الشعوب القديمة، نذكر من تلك المؤلفات: “حديقة الحيوان الأسطورية”، و”الثعبان والبجعة”، إضافة إلى كتب أخرى مثل: “التراث الرومانسي للماركسية”.