صفة الغراب
صفة الغراب
يمثل الغراب رمزًا بديهيًّا لكثير من الأمور المستمدة من تصرفاته على أرض الواقع، فارتبط في أذهان الكثيرين بالغموض والقوة، وترجع تلك الصورة إلى شيوع اللون الأسود على ريشه، وهو لون الليل والوقار والجدية، على أن بعضها لديه مسحات ملوَّنة بالأبيض أو الرمادي أو حتى الأزرق، ومن هذا الوصف استمدَّ الكهنة ومدراء المدارس لون زيهم، كما ساعد حب الغربان لالتهام الجيف ووقفتها على الجثث استخدامها كرمز للموت، أما اجتماعيًّا فالغربان كائنات خفيفة الظل تحب الدعابة والمزاح، ويُذكر في ذلك قصة لورانس كيلهام الذي أطلق النار على غراب فطار بعيدًا ثم عاد وحلَّق فوق لورانس ليُسقِط حبات التوت على رأسه، ولا يخفى ذكر ما لهذه الطيور من قدرات ذهنية جعلتها تتربَّع على قمة هرم الذكاء الخاص بالطيور، ولا ينافسها في ذلك إلا الببغاوات فقط، فأدمغتها المزدحمة بالخلايا العصبية بشكل ملحوظ تعدُّ أكبر أدمغة الطيور وتمثل 2.3% من حجم جسد الغراب، في حين أن دماغ البشر تمثل 1.5% من الجسد، ولم تتشابه معنا في الذكاء وحسب، بل وأيضًا تمتلك ابتسامة ظاهرة وشاربًا فوق المنقار، كما تشترك أنواع منها مع كثير من الناس في حب تناول الطعام وجمع كل ما هو لامع وله بريق.
الفكرة من كتاب الغراب.. التاريخ الطبيعي والثقافي
اختلف الواصفون من شعراء وعلماء وكهنة ورسامين في توصيف الغراب، أي أن كل اتجاه يميل إلى إظهار جانب مختلف من جوانب هذا الطائر العتيق، فالعالِم يراه بنظرة تشريحية تدرس وظائفه الحيوية وخصائصه التصنيفية التي تضعه في سلالات ومسميات تحدد رتبته ضمن باقي الكائنات الحية، والفنان يهتم برسم لوحات تبين الثنيات والألوان بتفاصيل جمالية، فضلًا عن تضمينه في كثير من الأمثال الشعبية ذات الدلالات والحكم المتوارثة جيلًا بعد جيل.
أما العوام من الناس فتروج بينهم النظرة التشاؤمية المرهونة برؤية هذا الطائر، وهكذا فإن الأساطير المحكية والتقاليد والتاريخ وحتى القصص الدينية المتواترة والكتب المقدسة جميعها تحوي حديثًا متنوعًا عن الغربان، ويختلف كل منهم في ذكر صفاته ووصف وجه مميز يغيب في منظور الوصف الآخر، لكنهم يجتمعون معًا لخلق صورة واحدة تنتهي برسم لوحة متكاملة عن الكائن الغامض ذي الريش الأسود والمنقار المدبَّب.
ومن هنا يهدف هذا الكتاب إلى الحديث عن سلوكه الحيواني وتوضيح ما له في التاريخ الطبيعي والثقافي من جميع الاتجاهات كالشعر والأدب والفنون، حتى يتيح لنا الإلمام بكل ما لهذا المخلوق من حديث يعيننا على فهم ما يدور حوله من ألغاز علمية، إضافةً إلى إدراك ما يمثله في الثقافات المختلفة، ويعد أرسطو أول المتحدثين عن الحيوان بشكل علمي، وذلك في كتابه “تاريخ الحيوان”، الذي تحدث فيه عن الغربان واصفًا أشكالها وخصائصها، وقد ذكر في مدة رعايتها واهتمامها بأبنائها أنها طويلة مقارنةً مع باقي الطيور.
مؤلف كتاب الغراب.. التاريخ الطبيعي والثقافي
الدكتور بوريا ساكس Boria Sax كاتب أمريكي من مواليد المملكة المتحدة في عام 1949، حاصل على الدكتوراه في التاريخ الألماني والفكري من جامعة ولاية نيويورك في بوفالو، ومحاضر الأدب في كلية ميرسي في دوبوس فيري بنيويورك، وله العديد من الكتب التي تبحث تداخل علم الحيوان بأساطير الشعوب القديمة، نذكر من تلك المؤلفات: “حديقة الحيوان الأسطورية”، و”الثعبان والبجعة”، إضافة إلى كتب أخرى مثل: “التراث الرومانسي للماركسية”.