لماذا ننظر إلى من فوقنا؟
لماذا ننظر إلى من فوقنا؟
في خلال زيارة لنيكسون نائب رئيس الولايات المتحدة إلى الاتحاد السوفييتي في أواخر الخمسينيات، وأثناء مقابلة تلفزيونية حاول بذكاء أن يوضِّح للمواطنين السوفييت ما تتميَّز به الولايات المتحدة عنهم، وليس ذلك عن طريق توضيح حقوق الإنسان أو الترويج للديمقراطية ومنفعتها، بل قام بالتوغُّل إلى أدقِّ نفسيات الإنسان المعاصر وحدَّثهم عن الحياة الشخصية الخاصة بالعامل الأمريكي في مقابل حياة العامل السوفييتي، فالأول يملك بيتًا خاصًّا به والعديد من الأجهزة الكهربائية المملوكة له، بينما السوفييتي لم يمتلك وقتها حمامًا خاصًّا حتى يكون له الأجهزة الكهربائية، وبذلك وصل شعور التفوق الذي أراد إيصاله إلى الشعب السوفييتي دون التحدُّث السياسي النظري.
لكن هل يعدُّ ذلك الكلام صحيحًا؟ هل بالفعل حصل ذلك التقدم على كل المستويات في الدول الغربية؟ نعم ولا؛ فقد حصل التطور والتقدم وارتفعت مستويات المعيشة وانخفضت نسب الفقر وتقلَّص الفارق في نمط الحياة بين الأغنياء والفقراء، وزادت وسائل الرفاهية ونقصت نسب الوفيات، لكن غاب عن كلام نيكسون أن تلك التطورات ارتبطت بشكل مباشر بارتفاع في مستويات قلق المكانة بين المواطنين الغربيين؛ فالانخفاض الحاد في مستويات الاحتياج الذي من المفترض أن يجعل المواطنين أكثر راحة نفسيًّا، جعلهم وعلى العكس من ذلك في حالة خوف من فقدان تلك الراحة، وبالتالي فالراحة لا تجلب راحة، وتلك هي المفارقة.
فسَّر ذلك المؤلف بأن تلك المفارقة ليست غريبة، فالشخص لا يحكم على مستوى الكفاية بناءً على منهج تاريخي؛ بمعنى أنه يقارن ما بين لديه الآن وما كان لدى أسلافه من خمسين سنة كمثال، وإنما هو ينظر بمنهج مقارن معاصر؛ بمعنى أنه يتخذ مجموعة مرجعية من الأشخاص، من المفترض أنهم يشبهونه، ويحكم بناء على ذلك هل أنا في وضع جيد أم لا، وهنا ينشأ الحسد، ففي السابق كان معظم الأشخاص متساوين في المكانة الاجتماعية وفي نمط الحياة، بينما الأمر ليس كذلك الآن، فعلى الرغم من أن الشخص يكون أحسن بأضعاف مضاعفة من جدِّه الذي لم يكن يمتلك بيتًا من الطوب، فإن الشخص يشعر بالضغينة والحسد تجاه مجموعته المرجعية التي أنشأها، لا لأنها أخذت من حقه في مورد من الموارد، حيث لم يتأثر نمط معيشة الأول بالثاني، ولكن لأن المجموعة المرجعية ارتفعت دون أن يرتفع هو معها.
الفكرة من كتاب قلق السعي إلى المكانة: الشعور بالرضا والمهانة
يناقش الكتاب أسباب سعي الأفراد نحو مكانة أعلى وما يستتبعه ذلك من ثروات ورفاهة وراحة أكبر، مفترضًا بذلك أنه وهم مأمول لا يساعدك على الصفاء النفسي، وإنما يساعد على زيادة القلق من خسارة المكانة المكتسبة والمتطلَّع إليها، ما يجعل حياة الفرد بلا معنى، كما يناقش الوسائل الممكنة لمحاولة الحد من تلك الآثار السلبية للقلق لينزل بك إلى أرض الواقع مرة أخرى.
مؤلف كتاب قلق السعي إلى المكانة: الشعور بالرضا والمهانة
آلان دو بوتون: فيلسوف وكاتب بريطاني من أصل سويسري، حاصل على درجات جامعية مختلفة في الفلسفة والتاريخ والفن، وله عدد كبير من المؤلفات تصل إلى 15 مؤلَّفًا تتنوَّع ما بين الكتب الفلسفية والمتعلقة بالتاريخ والفنون، ومنها ما هو متعلِّق بأنماط التديُّن والدين، وقد بدأ الكتابة من عام 1997 بكتاب “كيف لبروست أن يغير حياتك”، ومن أشهر كتبه المترجمة إلى العربية كتاب “عزاءات الفلسفة” المنشور عام 2000، وقد ألَّف آخر كتاب عام 2016، وهو كتاب “دورة الحب”.
معلومات عن المترجم
محمد عبد النبي: كاتب ومترجم مصري، وله عدد من الروايات والترجمات التي حصلت على جوائز متعدِّدة، ومن أبرز رواياته “في غرفة العنكبوت”، ومن أبرز ترجماته إضافة إلى هذا الكتاب هو كتاب “كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج” لأليس مونرو.