امرأة تعالج نفسها من التخلُّف!
امرأة تعالج نفسها من التخلُّف!
كان دماغ باربارا أروسميث غير متماثل فرغم ذاكرتها الفائقة فإنها كانت تعاني تخلفًا، وجسدها كذلك غير متناسق؛ فيدٌ أطول من يدٍ، وجانب أضخم من جانب، وحوض منحرف وعمود فقري مائل، بجانب عجز بصري وكلامي وافتقاد الحس الحركي وافتقاد القدرة على التفكير الحيِّزي -الذي يساعدنا على رسم خريطة عقلية للمكان وتقدير المسافات- وكانت لا تفهم العلاقات بين الرموز والربط بين السبب والمسبب ولا تميز عقارب الساعة، وكانت تقرأ الحروف بشكل معكوس فتقرأ “was” “saw”، وكانت تستعين بذاكرتها القوية للنجاح في المدرسة وتغطية عجزها، فإن كان استيعاب بحث يتطلب قراءته مرة أو مرتين فباربارا تستوعبه في المرة العشرين!
وذات يوم قرأت باربارا كتاب “الرجل ذو العالم المحطم” ليوريا الذي يرصد يوميات حالة لوفا زازتسكي المشابهة جدًّا لحالتها، فقد أصابته رصاصة أتلفت جزءًا كبيرًا من دماغه الأيسر فدمرت عنده دوائر الاتصال بين مناطق الحس والحركة والسمع والبصر، فأصبح عاجزًا عن الربط بين الأشياء، فهو يعرف معنى ابن وأم، لكن لا يفهم جملة “ابن الأم” أو “أم الابن” أو الفرق بينهما، ويستوعب الكلام متأخرًا عن زمن قوله؛ فلا يستطيع فهم مشهد من فيلم قبل أن يبدأ مشهد آخر.
لم تجد بابارا العلاج في تلك اليوميات لكن صادفت بحثًا للدكتور مارك روزنزويغ يشرح فيه كيف يمكن للدماغ أن يعدل نفسه، ومن حينها انغمست باربارا في تمارين لتدريبها على ربط الرموز ببعضها مثل قراءة مئات البطاقات التي تصور ساعات تُظهر أوقاتًا مختلفة، وكانت تستخدم كذلك ساعة حقيقية تدير عقاربها لمحاولة فهم لماذا تكون الساعة 45: 2 عند موضع معين، وبعد أسابيع طويلة من التمارين الشاقة والمتواصلة تمكنت من ربط الأسباب بمسبباتها وفهم النحو والمنطق والرياضيات، وأنشأت مع زوجها مدرسة لتعليم الأطفال الذين يعانون عجزًا تعليميًّا، من خلال تطوير تمارين عديدة لمعالجة الاختلالات الوظيفية في الدماغ.
الفكرة من كتاب الدماغ وكيف يطوِّر بنيته وأداءه
لا تزال نظرية الدماغ غير المتغير مسيطرة على مجتمع علماء الأعصاب منذ عهد ديكارت، الذي تعامل مع الدماغ على أنه مستقبِل سلبي للمحيط الخارجي، ونتج عن ذلك النظر إلى الدماغ كآلة محكمة الدوائر؛ كل جزء فيها يؤدي وظيفة محددة لا ينفك عنها، والاعتقاد بأن حالات العجز الناشئة عن تلف دماغي لا يمكن شفاؤها.
لكن نورمان دويدج في هذا الكتاب يرصد قصصَ نجاحٍ واقعية باهرة لشفاء مثل تلك الحالات بتطبيقات اللدونة العصبية؛ وهي قابلية الدماغ للتغيير والتعديل عن طريق قيام خلايا سليمة بالوظائف التي كانت تؤديها الخلايا التالفة، وهو ما يعتبره المؤلف ثورة في مجال علم الأعصاب، ونترك للقارئ حرية التأييد أو الانضمام إلى صفوف المشككين في القدرات الخارقة للدونة العصبية.
مؤلف كتاب الدماغ وكيف يطوِّر بنيته وأداءه
نورمان دويدج Norman Doidge: محلل وطبيب نفساني كندي، درس الكلاسيكيات الأدبية والفلسفة، والطب في جامعة تورنتو، ثم انتقل إلى نيويورك وحصل على شهادة في التحليل النفسي من جامعة كولومبيا، ثم زمالة المعهد الوطني لبحوث الصحة العقلية لمدة عامين، للتدريب على تقنيات العلوم التجريبية. وبعد عودته إلى وطنه عمل رئيسًا لمركز العلاج النفسي وعيادة التقييم في معهد كلارك للطب النفسي. حصل دويدج على جائزة ماري سيغورني عن كتاباته العلمية حول اللدونة العصبية وأبحاثه في التحليل النفسي.
من أبرز مؤلفاته:
The Brain’s Way of Healing
The Brain that Changes Itself
Neustart im Kopf: Wie sich unser Gehirn selbst repariert
معلومات عن المترجمة
رفيف غدار: مترجمة، ترجمت كتبًا مهمة منها: “الإلمام بالحقيقة”، و”علم الفراسة”، و”فن الاسترخاء”.