الكشوفُ الجغرافيةُ والاستعمارُ الحديث
الكشوفُ الجغرافيةُ والاستعمارُ الحديث
قلبت الكشوفُ الجُغرافية الحديثةُ استراتيجيةَ العالمِ القديمِ رأسًا على عَقِب.
لا شك أن أعظمَ حقيقةٍ تمخضت عنها تلك الكشوف، هي وِحْدةُ المحيط، فقبلَهَا كان العالمُ المعروفُ يتألفُ من يابسٍ واحدٍ ومُحيطيْن، أما بعدها، فقد أصبحَ العالمُ مُحيطًا واحدًا ويابسًا مُتعددًا؛ فبرَزَت أهميةُ البحارِ المحيطية، وانحدرت قيمةُ دولِ وموانئِ البحرِ المُتوسط؛ لتنتقِلَ الزعامةُ منها إلى دولِ وموانئِ غربِ أوروبا؛ حيث إنهُ من الناحيةِ السياسية، أصبحَ الوقوعُ على المحيطات، قوةً سياسيةً مهمة؛ وبدأ عصرُ الإمبراطورياتِ البَحْريّة.
أزاحت معادلةُ الصراعِ بين البرِّ والبحرِ كلَّ المعادلاتِ السابقةِ الأخرى، كالإستبسِ والغابةِ والجبلِ والسهل، لتُصبِحَ هي وحدَهَا قُطْبَ الرَحَى، في الاستراتيجيةِ العالميةِ الجديدة.
لماذا نجحت أوروبا الغربيةُ في هذا التوقيت؟
كثيرٌ من الكُتّابِ الغربيين، يحلو لهم أن يُرجِعوا السببَ إلى حيويةِ شُعُوبِ غرب أوروبا، وإلى حُبِّ استطلاعٍ وتفوقٍ طبيعي في الجنس -أي يثيرون تفسيرًا عنصريًّا- لكن في الحقيقة، أنّ هُناكَ عواملُ غيرُ ذلك، وراء هذا النجاح؛ ويمكن أن نُحدِدَها في تفوقٍ حَضاريٍّ للحضارةِ الأوربية.
وهذا بالقطعِ جاءَ بسببِ احتكاكها بالعالمِ العربي؛ فالحضارةَ انتقلت من العَرَبِ إلى أوروبا، عن طريقِ الْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ، وعن طريق الأندلُس.
الفكرة من كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير
يعتبر كتاب “استراتيجية الاستعمار والتحرير”، مدخلاً إلى علم الجغرافيا السياسية؛ حيث يأخذُكَ المؤلفُ في رحلةٍ؛ لاستكشافِ قوانينَ الجغرافيا والتاريخ، ويحللُ، لماذا قامتِ الإمبراطورياتُ والدولُ، بدايةً من فجر التاريخ إلى تاريخ إصدار الكتاب عام 1968.
كما يعرضُ أيضًا تاريخَ الاستعمار، لفَهْمِ دوافعِهِ ومآلاته؛ ثمّ يعرضُ حركاتِ التحرّر التي هدمت بُنْيَانَه.
مؤلف كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير
يُعتبر “جمال محمود صالح حمدان”، أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين.
ولد “جمال”، بمحافظة القليوبية، في مصر عام 1928م، ونشأ في أسرة تنحدر من قبيلة “بني حمدان” العربية، التي نزحت لمصر بعد الفتح الإسلامي.
تمتاز كتاباته برؤية استراتيجية متكاملة للمقومات الكلية، للتكوينات الجغرافية والبشرىة والحضارية، ورؤية لعوامل قوتها وضعفها؛ فهو لم يتوقف عند تحليل الأحداث الآنية أو الظواهر الجزئية، وإنما سعى إلى وضعها في سياق أعم وأشمل، ذو بعد مُستقبلي.